الباقي على الذهب الفاني » ۱ . كيف والأمر على العكس من ذلك ؟!
قال عليه السلام : تركوا فضول الدنيا . [ ص۱۸ ح۱۲ ]
أقول : اعلم أنّ اُمور الدنيا وشهواتها منقسمة إلى أقسام ثلاثة :
منها : ما لا يمكن التعيّش والبقاء بدونها ، وكأنّها ليست من الدنيا ؛ لأنّ العبد مكلّف بإتيانها وأنّها من الواجبات ، وهي لذّات لا تمنع عن النجاة من النار وعذاب الآخرة ، ولا عن أصل النعيم الاُخروي ، ولكن يمنع عن مزيد الكرامة وفضل النعمة وكمال القرب منه تعالى ، وهي المباحات الشرعيّة من اللذّات الحسّيّة .
ومنها : ما تؤثّر لذّتها في النفس بحيث تؤثّر في النفس لذّتها تأثيرَ الغشاوة والحجاب ، والعقاب يوم الحساب ، على اختلاف مراتبها وتفاوتها في شدّة اللذّة وضعفها وكبرها وصغرها ، وتفاوتها في استغراق النفس فيها ، فهذه هي المحرّمات الشرعيّة كبائرها وصغائرها ، وكلّها دون الكفر الذي هو الأعظم والوبال الأفخم « إِنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَ لِكَ لِمَن يَشَآءُ » ۲ .
فإذا تقرّر هذا ، فنقول : إنّ العاقل هو الذي ترك فضول الدنيا وإن كانت مباحةً ؛ لأنّها تمنع غاية التقدّس وكمال التقرّب ، فكيف بالذنوب التي هي ارتكاب المحرّمات المُورِثة لاستخفاف العقوبة والبُعْد عن المثوبة إلاّ أن يتفضّل اللّه بالمغفرة والرضوان والتجاوز عنها بالجود والإحسان . فقد بان أنّ ترك الدنيا رأساً من طلب الفضل والكمال ، وأنّ ترك المعاصي والمحرّمات من باب الغرض الذي تطلب به النجاةَ عن العذاب ، والعتق من النار .
فالأوّل يختصّ بالأحرار ليصيروا من الأخيار ، والثاني مشترك بين عامّة الناس ليصيروا عتقاء من النار غير مقيّدين بالسلاسل والأغلال ، إنّه وليّ الفضل والطَوْل في المبدأ والمآل .