139
الحاشية علي اصول الكافي( العاملي)

فإذا تمهّد هذا ، فنقول : إنّ قوله عليه السلام : «فمن عقل عن اللّه ، اعتزل أهل الدنيا» محمول على أنّ عقل الإنسان إذا بلغ إلى حدّ يأخذ العلم من اللّه تعالى بغير تعليم بشري إمّا بحسب الفطرة الأصليّة كما للأنبياء عليهم السلام ، أو بعد مجاهدات قدسيّة ، وإشراقات عقليّة ، ورياضات علميّة وعمليّة ، فقد اعتزل أهل الدنيا والراغبين فيها حيث لم يبق له رغبة فيها وأهلِها، ويرغب فيما عند اللّه من الخيرات الحقيقيّة ، والإشراقات الإلهيّة ، والأنوار القدسيّة ، والابتهاجات الذوقيّة ، والفتوحات الإلهيّة .
وعند ذلك كان اللّه تعالى اُنسه في الوحشة ، إذ موجب الوحشة في الوحدة فَقْدُ المألوفات الوجوديّة ، وخلوّ الذات عن الفضيلة والخير ، وأنّه تعالى منبع كلّ خير ، ومبدأ كلّ فيض ، فإنّما يتشعّب وينشأ منه تعالى على الأشياء ، من رجع إلى اللّه تعالى يأخذ ويستفيض من رحمته كلَّ ما يريد ، من كان للّه كان اللّه له ، فيكونَ صاحبَه في الوحدة ، فيصير وحده عينَ الجمعيّة وغناه في العيلة ؛ لأنّ فقره ليس إلاّ إليه ، ومن كان فقره إليه لا غير ، كان غناه به لا غير ، وكان اللّه معزّه من غير عشيرة ؛ إذ العزّة بالعشيرة والنسب عزّة مجازيّة ، والعزيز بالحقيقة من أعزّه اللّه بعزّته التي لا مثل لها ولا نظير .
ولعلّ ما في هذا الكلام نوع إيماء إلى الخبر المشهور في قرب الفرائض وقرب النوافل ، فتدبّر .

قال عليه السلام : نصب الحقّ . [ ص۱۷ ح۱۲ ]
أقول : إمّا على البناء للمفعول أو للفاعل لكن بارتكاب حذف المفعول أي نصب الحقّ الخلقَ .
قال عليه السلام : ولا نجاة إلاّ بالطاعة . [ ص۱۷ ح۱۲ ]
أقول : لأنّ الإنسان في بدو غريزته وفطرته العنصريّة جوهر ظلماني من عالم الهيولى الظالم أهلُها ، مخلوق من موادّ عالم الظلمات ووسخ الطبيعة ، وإنّما يصير بالتصفية والتهذيب والتأديب إلى العالم الأعلى كما في قوله : « أَيَطْمَعُ كُلُّ امْرِىءٍ مِّنْهُمْ أَن يُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِيمٍ * كَلاَّ إِنَّا خَلَقْنَـهُم مِّمَّا يَعْلَمُونَ » ۱ .

1.المعارج (۷۰) : ۳۸ ـ ۳۹ .


الحاشية علي اصول الكافي( العاملي)
138

بعد ذلّه ۱ ، والمراد هاهنا هو المعنى الثاني . ومنه أعزّه اللّه . وعززت عليه أي كرمت عليه .
وقوله تعالى : « فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ » ۲ بالتخفيف والتشديد أي قوّيناه وشدّدناه .
فإذا تقرّر هذا ، فنقول : إنّ فائدة العزلة الخلاص من الفتن والمعاصي كالرياء والغيبة ومسارقة الطبع عن الأخلاق الرديّة ، والأعمال الخبيثة التي يوجبها الحرص على الدنيا، وصيانةُ الدين والنفس عن الخوض فيها والتعرّض لأخطارها ، قلّما يخلو البلاد عن تعصّبات وفتن وخصومات ، والخلاصِ من شرّ الناس ؛ فإنّهم يؤذونك تارة بالغيبة ، وتارة بسوء الظنّ والتهمة ، وتارة بالاقتراحات والأطماع الكاذبة التي يعسر الوفاء بها ، وتارة بالنميمة والكذب ، فربّما يرون أو يسمعون منك من الأعمال والأقوال ما يبلغ عقولهم فيه فيتّخذون ذلك ذخيرة عندهم لوقت يكون فيه فرصة للشرّ ، فإذا اعتزلهم وما يعبدون من دون اللّه ، استغنيت عن التحفّظ عن جميع ذلك .
ومن فوائد العزلة الخلاص عن مشاهدة الثقلاء والحمقى ، ومقاساة أطوارهم وأخلاقهم وكلماتهم الباطلة الركيكة ؛ فإنّ رؤية الثقيل هو العمى الأصغر . وقيل للأعشى : لِمَ أعميت عينك ؟ قال : من النظر إلى الثقلاء ۳ .
قال جالينوس : لكلّ شيء حمى ، وحمى الروح النظر إلى الثقلاء ۴ .
وقال الشعبي ۵ : ما جلست ثقيلاً قطّ إلاّ وقد وجدت الجانب الذي يليه من بدني كأنّه أثقل من الجانب الآخر ۶ .

1.الصحاح ، ج ۳ ، ص ۸۸۵ (عزز) .

2.يس (۳۶) : ۱۴ .

3.شرح ابن أبي الحديد ، ج۱۰ ، ص۵۱ ؛ شرح المازندراني ، ج۱۱ ، ص۹۴ .

4.شرح المازندراني ، ج۱۱ ، ص۹۴ .

5.في شرح ابن أبي الحديد : «الشافعي» .

6.شرح ابن أبي الحديد ، ج۱۰ ، ص۵۱ .

  • نام منبع :
    الحاشية علي اصول الكافي( العاملي)
    سایر پدیدآورندگان :
    تالیف: أحمد بن زين العابدين العلوي العاملي؛ تحقیق: نعمة الله الجليلي؛ با همکاری: مسلم مهدي زاده
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1385
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 6556
صفحه از 476
پرینت  ارسال به