135
الحاشية علي اصول الكافي( العاملي)

عالم القدس والحضرة الإلهيّة التي عرضها كعرض السماء والأرض الذي ينتهي إلى حركة سفينة النجاة ، فالعقل بمنزلة القيّم للسفينة ، ويقال له : الرُّبّان ، ونسبته إليها كنسبة النفس في البدن لجامع التربية والتدبير ، فالعقل لا ينفكّ عن العلم ، فإنّ نسبته إلى العقل كنسبة النور من السراج ، والرؤية من البصر ، فالعلم دليل العقل كالكواكب دليل قيّم السفينة .
ومع هذه الخصال كلّها لابدّ من الصبر ؛ فإنّ ارتقاء الإنسان من حدّ البشريّة إلى حدّ القرب من اللّه لا يقع إلاّ بتحوّلات كثيرة ، وتقلّبات شديدة ، ومجاهدات قويّة مع النفس في مدّة طويلة ، فتحتاج إلى صبر عريض ، وعزم تامّ ؛ لقوله : « فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُواْ الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ » ۱ و« لا تعجل فالصبر مفتاح الفرج » ، فلهذا قال : « وسكّانها الصبر » ؛ فإنّ العجلة من فعل الشيطان « وَ لاَ تَعْجَلْ بِالْقُرْءَانِ مِن قَبْلِ أَن يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ » ۲ .

قال عليه السلام : سفينتك . [ ص۱۶ ح۱۲ ]
أقول : سُمّيت السفينة سفينة لأنّها تسفن الماء أي تقطعه ۳ ... . أي حاملاً يركب عليه في حركته إلى غايته . والمطيّة الناقة التي يُركب مطاها أي ظهرها .
قال عليه السلام : ليعقلوا . [ ص۱۶ ح۱۲ ]
أقول : اللام للتعليل أي إنّما بعثوا ليكمل العباد لأجل أنّهم علموا من اللّه علماً لدّنياً ووهباً إلهيّاً .
قال عليه السلام : وأكملهم عقلاً . [ ص۱۶ ح۱۲ ]
أقول : لما كان حسن العقل بكمال العلم بالموجودات والإحاطة بالمعقولات . وكمالُ الإحاطة بها يوجب كمال الارتفاع ، فلذا قال : وأكملهم عقلاً .

1.الأحقاف (۴۶) : ۳۵ .

2.طه (۲۰) : ۱۱۴ .

3.راجع : الصحاح ، ج ۵ ، ص ۲۱۳۶ (سفن) .


الحاشية علي اصول الكافي( العاملي)
134

ومنها : كونها ممّا غرق فيه خلق كثير وهلكوا هلاك الأبد ، وهو هلاك الروح ، فإنّ للإنسان ثلاث حياتات :
اُولاها : حياة البدن ، وهي الحياة الدنيويّة التي تشارك فيها جميع الحيوانات .
وثانيتها : حياة النفس ، وهي التي تبقى بعد البدن لجميع أفراد الإنسان دون سائر الحيوان ، فيحشرون ويثابون أو يعاقبون .
وثالثتها : حياة الروح ، وإنّما هي بالمعرفة واليقين والإيمان الحقيقي . والموت الذي بازائه هو الكفر والفساد والجهل والاستكبار .
وإنّما غرق فيها الأكثر ؛ لاغترارهم بما فيها من زهراتها ، وشهواتها المُغوية ، وزينتها الفانية ، وتمتّعاتها الباطلة ، فهي بما فيها غارّة مضلّة يغترّ بها الإنسان ويهلك . وقد حذّر اللّه سبحانه عباده عن غرور الدنيا وفتنها في مواضع كثيرة من كتابه العزيز كما قال : «فَلاَ تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَوةُ الدُّنْيَا وَ لاَ يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ » ۱ وقوله : « وَ غَرَّتْكُمُ الْأَمَانِىُّ » ۲ فإذا كان كذلك، فلا نجاة لأحدٍ منها وغرورها إلاّ بسفينة التقوى والزهد فيها .
ثمّ لابدّ له من التوكّل باللّه وهو الوثوق به والاعتماد عليه في كلّ الاُمور لا على الأسباب ، فإنّ من يعتقد أنّ الأمر كلّه بيد اللّه ، ولا يطمئنّ به في أنّه متكفّل لاُموره بل يتقيّد بالأسباب ويعتقدها ممّا يحتاج إليه فيعوقه ذلك عن السفر إلى اللّه ، كمن لا يسافر في الدنيا وحده بل مع الرفقاء والقوافل والأسباب حذراً عن عدم الفوت ، وخوفاً عن قاطع ، فينتظر مدّة مديدة لانتظار الأسباب ، فهكذا من لا يتوكّل عليه تعالى ، فلا يسافر إلى عالم القدس ، ولا يخرج من بيته مهاجراً إلى اللّه ورسوله ، فالتوكّل بمنزلة شراع سفينة النجاة الذي به يسرع سير السفينة ولذا قال : « وشراعها التوكّل » .
ثمّ مع التقوى والإيمان والتوكّل لابدّ من عقل تامّ به يدرك حقائق الاُمور ، ويعرف

1.لقمان (۳۱) : ۳۳ .

2.الحديد (۵۷) : ۱۴ .

  • نام منبع :
    الحاشية علي اصول الكافي( العاملي)
    سایر پدیدآورندگان :
    تالیف: أحمد بن زين العابدين العلوي العاملي؛ تحقیق: نعمة الله الجليلي؛ با همکاری: مسلم مهدي زاده
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1385
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 6591
صفحه از 476
پرینت  ارسال به