وهو يدلّ على أنّ التصديق الكاذب إنّما يكون في مرتبة الظنّ لا الجزم ، وما ظنّه بعض المنطقيّين ـ من أنّ الاعتقاد الجازم ينقسم إلى مطابق وغير مطابق ـ ليس إلاّ بعض الظنّ حيث ما علمت أنّ الكاذب لا يكون مجزوماً به ، فتعيّن من ذلك أن يكون من أفعال جوهر الناطقة لا من قبيل اعتقاداته كما يشعر بذلك قوله العزيز : « إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ » ۱ ، وذلك لأنّ الإثمّ إنّما يكون في الأفعال الصادرة عنّا ، وقد صرّح بذلك بعض قدمائنا الاُصوليّين كالشيخ والسيّد ـ قُدّس سرّهما ـ في كتابهما في الاُصول .
ثمّ أقول : إنّه لا ينافي بما تلونا عليك أنّ التصوّرات والتصديقات كلّها فائضة من سرادقات مجده على النفوس ، وذلك لأنّ الكواذب لا تكون من التصديقات والتصوّرات بل من قبيل المظنونات ، واللّه وليّ الباقيات الصالحات ، وفيّ السابقات العاليات .
قال عليه السلام : تواضع للحقّ . [ ص۱۶ ح۱۲ ]
أقول : التواضع للحقّ هو أن لا يرى العبد لنفسه وجوداً ، ولا حول ولا قوّة إلاّ بالحقّ وحوله . وفي الخبر : « من تكبّر وضعه اللّه ، ومن تواضع للّه رفعه اللّه » ۲
وحكاية من اللّه : « العظمة إزاري ، والكبرياء ردائي ، فمن نازعني فيهما ، قصمته » ۳ .
والإنسان كلّما تواضع للّه بالحطّ عن نفسه ، زاده اللّه فضلاً وشرفاً ، وإذا فنى عن نفسه بالموت الإرادي قبل الطبيعي ، يكون باقياً .
ولعلّ هذا هو المراد بقوله : « تكن أعقل الناس » فإنّ أعقل الناس هم الأنبياء والأولياء ثمّ الأمثل فالأمثل . وهذا موعظة خطابيّة ، وحكمة عمليّة خُلقيّة تتهذّب النفس بها عن أدناس الرذائل وتتطهّر عن أرجاس العلائق العوائق عن تجرّدها التام