133
الحاشية علي اصول الكافي( العاملي)

لتصير عقلاً مستفاداً راجعاً إلى ربّه ومُبدعه ومُبدع الكلّ .
قال عليه السلام : لدى الحقّ . [ ص۱۶ ح۱۲ ]
أقول : إنّ كياسة الإنسان ـ وهي عقله وفطانته ـ يسير عند الحقّ لا قدر له ، وإنّما الذي له قدر عند اللّه هو التواضع والمسكنة والخضوع والعجز والافتقار إليه ، فكلّ علم وكلّ كمال لا يؤدّي صاحبَه إلى مزيد فقر وفاقة إليه تعالى يصير وبالاً عليه ، والجهل والنقيصة أولى به منه.
ولذلك قيل : غاية محمود العابدين تصحيح جهة الإمكان والفاقة إليه تعالى . فكلّ عالم كيّس زعم أنّ له وجوداً أو كمالاً غير ما هو رشح من رشحات بحر وجوده أو انعكاس من ضوء وجوده وتفضّله ، فهو في غطاء شديد ، وحجاب عظيم عن نيل الحقّ والوصول إلى سرادقات مجده وعزّ بهائه ۱ .
قال عليه السلام : يا بنيّ! إنّ الدنيا بحر عميق . [ ص۱۶ ح۱۲ ]
أقول : لا يخفى أنّ الشرع : وتر العود ، والشرعة أخصّ منه ، وشِراع السفينة بالكسر : ما يرفع فوقها من ثوب ليدخل فيه الريح ، فتجريَها .
قوله : «إنّ الدنيا بحر عميق» مثّل الدنيا بالبحر لوجوه من الشبه :
منها : تغيّرها واستحالة أشكالها وصورها في كلّ لحظة ، فالكائنات فيها كالأمواج ، وما من صورة يكون فيها إلاّ أنّه يلزمها الفساد ، فهي متعاقبة الكون والفساد .
ومنها : كونها كالبحر ممّا يعبر عليها أفراد الناس من هذه النشأة البائدة الهالكة إلى الدار الباقية ، فالنفوس كالمسافرين ، والأبدانُ كالسفائن تنتقل بها من الاُولى إلى الاُخرى . ولعلّ السفينة البدنيّة لا يحصل العبور والانتقال إلى الدار الآخرة إلاّ بها سواء كانت تلك الدار دارَ عذاب وحبس وسلاسلَ وأغلال وسخط من اللّه نظراً إلى المسافر ، أو دارَ ثواب وكرامة ونعيم أقرب من عند اللّه ورضوان . وأمّا السفينة التي تقع بها النجاة إلى دار الرحمة والرضوان فهي تقوى اللّه .

1.شرح المازندراني ، ج۱ ، ص۱۴۵ .


الحاشية علي اصول الكافي( العاملي)
132

وهو يدلّ على أنّ التصديق الكاذب إنّما يكون في مرتبة الظنّ لا الجزم ، وما ظنّه بعض المنطقيّين ـ من أنّ الاعتقاد الجازم ينقسم إلى مطابق وغير مطابق ـ ليس إلاّ بعض الظنّ حيث ما علمت أنّ الكاذب لا يكون مجزوماً به ، فتعيّن من ذلك أن يكون من أفعال جوهر الناطقة لا من قبيل اعتقاداته كما يشعر بذلك قوله العزيز : « إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ » ۱ ، وذلك لأنّ الإثمّ إنّما يكون في الأفعال الصادرة عنّا ، وقد صرّح بذلك بعض قدمائنا الاُصوليّين كالشيخ والسيّد ـ قُدّس سرّهما ـ في كتابهما في الاُصول .
ثمّ أقول : إنّه لا ينافي بما تلونا عليك أنّ التصوّرات والتصديقات كلّها فائضة من سرادقات مجده على النفوس ، وذلك لأنّ الكواذب لا تكون من التصديقات والتصوّرات بل من قبيل المظنونات ، واللّه وليّ الباقيات الصالحات ، وفيّ السابقات العاليات .

قال عليه السلام : تواضع للحقّ . [ ص۱۶ ح۱۲ ]
أقول : التواضع للحقّ هو أن لا يرى العبد لنفسه وجوداً ، ولا حول ولا قوّة إلاّ بالحقّ وحوله . وفي الخبر : « من تكبّر وضعه اللّه ، ومن تواضع للّه رفعه اللّه » ۲
وحكاية من اللّه : « العظمة إزاري ، والكبرياء ردائي ، فمن نازعني فيهما ، قصمته » ۳ .
والإنسان كلّما تواضع للّه بالحطّ عن نفسه ، زاده اللّه فضلاً وشرفاً ، وإذا فنى عن نفسه بالموت الإرادي قبل الطبيعي ، يكون باقياً .
ولعلّ هذا هو المراد بقوله : « تكن أعقل الناس » فإنّ أعقل الناس هم الأنبياء والأولياء ثمّ الأمثل فالأمثل . وهذا موعظة خطابيّة ، وحكمة عمليّة خُلقيّة تتهذّب النفس بها عن أدناس الرذائل وتتطهّر عن أرجاس العلائق العوائق عن تجرّدها التام

1.الحجرات (۴۹) : ۱۲ .

2.كامل الزيارات ، ص۴۵۵ ، ذيل ح ۶۹۰ ؛ تحف العقول ، ص۴۶ ؛ المصنّف ، لابن أبي شيبة ، ج۸ ، ص۳۱۳ ، ح۱۲۶ .

3.المصنّف ، لابن أبي شيبة ، ج۶ ، ص۲۴۹ ، ح۲ ؛ مسند الشهاب ، ج۲ ، ص۳۳۱ ، ح۱۴۶۴ ؛ منية المريد ، ص۳۳۰ .

  • نام منبع :
    الحاشية علي اصول الكافي( العاملي)
    سایر پدیدآورندگان :
    تالیف: أحمد بن زين العابدين العلوي العاملي؛ تحقیق: نعمة الله الجليلي؛ با همکاری: مسلم مهدي زاده
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1385
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 6598
صفحه از 476
پرینت  ارسال به