131
الحاشية علي اصول الكافي( العاملي)

وبالجملة ، إنّ المراد من « المرء » هو الجوهر المجرّد الملكوتي المتعلّق بالهيكل العنصري تعلُّقَ تدبيرٍ وتصرّفٍ لا الهيكل الهيولي الذي هو البدن ، ولا القلب بمعنى ذلك الجزم ، ومن الظاهرة المغايرة بينهما .
ويدلّ على ذلك ما في الروايات من أرباب العصمة والطهارة صلوات اللّه عليهم أجمعين ، منها ما رواه الصدوق عليّ بن بابويه ـ قدسّ اللّه روحه وزاد في سماء القدس فتوحه ـ في باب السعادة والشقاوة من كتاب التوحيد بهذه العبارة :
حدّثَنا محمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضى الله عنه ، قال : حدّثنا محمّد بن الحسن الصفّار وسعد بن عبداللّه جميعاً ، قالا : حدّثنا أيّوب بن نوح ، عن محمّد بن أبي عمير ، عن هشام بن سالم ، عن أبي عبداللّه عليه السلام في قول اللّه عزّوجلّ : «وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ» ۱ قال : « يحول بينه وبين أن يعلم أنّ الباطل حقّ » .
وقال أبو عبداللّه عليه السلام : « إنّ اللّه تبارك وتعالى ينقل العبد من الشقاء إلى السعادة ، ولا ينقله من السعادة إلى الشقاء » ۲ .
ومن ذلك ما في كتاب المحاسن للبرقي :
عنه ، عن عليّ بن الحكم ، عن هشام بن سالم ، عن أبي عبداللّه عليه السلام في قول اللّه تعالى : « وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ » فقال : «يحول بينه وبين أن يعلم أنّ الباطل حقّ» ۳ .
عنه ، عن ابن محبوب ، عن سيف بن عميرة وعبدالعزيز العبدي وعبداللّه بن أبي يعفور ، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : « أبى اللّه أن يعرّف باطلاً حقّا ، أبى اللّه أن يجعل الحقّ في قلب المؤمن باطلاً لا شكّ فيه ، وأبى اللّه أن يجعل الباطل في قلب الكافر المخالف حقّا لا شكّ فيه، ولو لم يجعل هذا هكذا ، ما عُرف حقّ من باطل» ۴ . انتهى .

1.الأنفال (۸) : ۲۴ .

2.التوحيد ، ص۳۵۸ ، ح۶ .

3.المحاسن ، ج ۱ ، ص۲۳۷ ، ح۲۰۵ .

4.المحاسن ، ج ۱ ، ص ۲۷۷ ، ح ۳۹۴ .


الحاشية علي اصول الكافي( العاملي)
130

والطاعة ، وأرجو منه أن يوفّقني ويمددني ، وإن جعلني مخيّراً فإنّي اُريد العافية ولا أتعرّض للفتنة ، فاستحسنت الملائكة قوله وأحبّه اللّه وزاده في الحكمة والمعرفة حيث صدر عنه ألف كلمة ، قيّمة كلّ منها العالَم . والحكمة في عرف العلماء : استكمال النفس الإنسانيّة باقتباس العلوم النظريّة واكتساب الملكة التّامّة على الأفعال الفاضلة على قدر طاقتها .
ومن حكمته أنّه صحب داود عليه السلام شهوراً ، وكان يسرد الدرع فلم يسأله عنها فلمّا أتمّها لبسها وقال : نعم لبوس الحرب أنت ، فقال : الصمت حكمة وقليل فاعله .
وإنّ داود عليه السلام قال له يوماً : كيف أصبحت؟ قال أصبحت في يَدَيْ غيري مرتهنا بعملي . وإنّه أمر بذبح شاة وأن يأتي بأطيب مضغتين منها ، فأتى باللسان والقلب ، ثمّ بعد أيّام أمر بأن يأتي أخبث مضغتين منها ، فأتى بهما أيضاً ، فسأله عن ذلك فقال : هما أطيب شيء إذا طابا ، وأخبث شيء إذا خبثا . انتهى كلام عين المعاني ۱ .
فإن قلت : كيف يجامع هذا الحديثَ من مدح القلب ما في كريمة « أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ » ۲ ؟ وذلك لأنّ ظاهر حيلولته تعالى بينه وبينه يدلّ على أنّه ليس ممدوحاً ، فكيف التوفيق ؟
قلت ـ وباللّه التوفيق ـ : إنّ للقلب إطلاقاتٍ شتّى ۳ أحدها : العقل ، وهو من مراتب جوهر الناطقة المجرّدة كما لوّحنا إليه آنفاً .
وثانيها : القلب الصنوبري .
وثالثها : الجزم بأنّ الباطل حقّ والحقّ باطل . وما في هذه الآية من الحيلولة بين المرء وقلبه هو هذا .

1.لم نعثر عليه ، نعم نقله عنه في شرح المازندراني ، ج۱ ، ص۱۴۴ .

2.الأنفال (۸) : ۲۴ .

3.في المخطوطة : «شيء» .

  • نام منبع :
    الحاشية علي اصول الكافي( العاملي)
    سایر پدیدآورندگان :
    تالیف: أحمد بن زين العابدين العلوي العاملي؛ تحقیق: نعمة الله الجليلي؛ با همکاری: مسلم مهدي زاده
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1385
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 6600
صفحه از 476
پرینت  ارسال به