129
الحاشية علي اصول الكافي( العاملي)

قال عليه السلام : يعني عقل . [ ص۱۶ ح۱۲ ]
أقول : وذلك لفظاً ومعنىً وفحوىً .
أمّا الأوّل ، ففي اللغة: القلب هو الفؤاد ، وقلب كلّ شيء لُبّه وخالصه . ومنه الحديث : « لكلّ شيء قلب ، وقلب القرآن يس » ۱ . ويقال : فلان عربي قلب أي خالص .
وأمّا الثاني ، فلأنّه لا ارتياب في أن ليس المراد به العضوَ الصنوبريَّ الشكل الذي هو في الإنسان والبهيمة ، بل اللطيفة المعنويّة الداركة عند صيرورتها مدركةً للمعاني الكلّيّة النظريّة ، ومدرك المعقولات هو العقل ، فالقلب المعنوي هو العقل .
وأمّا الإشارة إلى الثاني ، فهي قوله : « ءَاتَيْنَا لُقْمَـنَ الْحِكْمَةَ » ۲ قال : الفهم والعقل ۳ .
أمّا لقمان فهو ابن باعورا من أولاد رزين اُخت أيّوب أو خالته ۴ . وقال الليث : إنّ كنية لقمان أبو الأنعم .
وفي كتاب عين المعاني :
انّه تولّد في عشرين سنين ۵ من سلطنة داود عليه السلام ، وعاش إلى زمان يونس عليه السلام . وقيل : إنّه عاش ألف سنة . واختلف في نبوّته ، الأكثر على أنّه لم يكن نبيّاً . وقيل : كان عبداً . وقيل حبشيّاً أسود اللون غليظ الشفتين . وذكر السجاوندي ناقلاً عن أهل السيرَ أنّه كان في بيته وقت القيلولة إذ دخل عليه جمع من الملائكة سلّمو عليه فأجابهم ولا يرى أشباحهم ۶ ، فقالوا : يا لقمان! نحن ملائكة اللّه نزلنا إليك لنجعلك خليفةً في الأرض لتحكم بين الناس بالحقّ . قال : هذا إن كان أمراً حتماً من اللّه ، فالسمع

1.ثواب الأعمال ، ص۱۱۱ ؛ سنن الدارمي ، ج۲ ، ص۴۵۶ ؛ تفسير الثعلبي ، ج۸ ، ص۱۱۸ .

2.لقمان (۳۱) : ۱۲ .

3.راجع : تفسير القرطبي ، ج۳ ، ص۳۳۰ ؛ تفسير ابن كثير ، ج۱ ، ص۳۲۹ .

4.تفسير الثعلبي ، ج۷ ، ص۳۱۲ ؛ الكشّاف ، ج۳ ، ص۲۳۱ ؛ تفسير البيضاوي ، ج۴ ، ص۳۴۶ ؛ بحار الأنوار ، ج۱۳ ، ص۴۲۴ ، ذيل ح ۱۸ .

5.كذا .

6.في شرح المازندراني : «أشخاصهم» .


الحاشية علي اصول الكافي( العاملي)
128

ثمّ قال : « وَ ذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ » ۱ يعني ليس المراد التولِّيَ مطلقاً ، بل شأنك الإفاضة والتعليم ، ولكن نفعه ليس إلاّ لطائفة مخصوصة من الناس ، وهم المؤمنون حقّا كما أنّ الصيّاد يبسط الشبكة لاصطياد نوع خاصّ من الطيور برزق مخصوص ، وهو المقصود من بسط الشبكة في الأرض دون غيره « سَوَآءٌ عَلَيْهِمْ ءَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ » ۲ ، وإلاّ فما من رزق إلاّ في القرآن قسم منه ؛ لقوله تعالى : « وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِى كِتَـبٍ مُّبِينٍ » ۳ .
ففيه غذاء الأرواح وقوت القلوب ، وفيه أيضاً ما ينفع العوامّ الذين بمنزلة الأنعام في الدنيا من أحكام الديات والقصاص والمناكحات والمعاملات والمواريث وغيرها ممّا ينتظم به صلاح أمر الدنيا للكلّ ، وأمر الدنيا والدين للخواصّ والكمّل ، ففيه الأغذية المعنويّة والصوريّة والمنافع الدنيويّة والاُخرويّة « مَتَـعًا لَّكُمْ وَ لِأَنعَـمِكُمْ » ۴
فإذنْ الذكرى ـ وهو نور القلب وحياة الروح ـ إنّما ينفع المؤمنين حقّا دون غيرهم ؛ لأنّهم الذين يحيى أرواحهم بروح الذكر ، ويتنوّر قلوبهم بنور الهدى ، ويعرج به أشخاصهم إلى عالم القدس وتصعد به كلمتهم إلى سماء القربة والشهود ومجاورة الحقّ المعبود .
ولعلّ مراده عليه السلام من ذكر هذه الآية التنبيه على دلالتها على مدح اُولي الألباب وحسن أحوالهم ، بيان ذلك أنّه لما دلّت الآيات المنقولة على أنّ أهل التذكّر هم خاصّةً ، وهذه الآية على أنّ الذكرى تنفع المؤمنين فيظهر من جميع هذه الآيات أنّ المؤمنين هم اُولوا الألباب خاصّةً وأنّ الموصوف بالإيمان الحقيقي ليس إلاّ هو ، وفيه من المدح ما لا يخفى على اُولي النُهى ، وذلك فضل اللّه يؤتيه من يشاء .

1.الذّاريات (۵۱) : ۵۵ .

2.البقرة (۲) : ۶ ؛ يس (۱۰) : ۱۰ .

3.الأنعام (۶) : ۵۹ .

4.النازعات (۷۹) : ۳۳ ؛ عبس (۸۰) : ۳۲ .

  • نام منبع :
    الحاشية علي اصول الكافي( العاملي)
    سایر پدیدآورندگان :
    تالیف: أحمد بن زين العابدين العلوي العاملي؛ تحقیق: نعمة الله الجليلي؛ با همکاری: مسلم مهدي زاده
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1385
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 6608
صفحه از 476
پرینت  ارسال به