127
الحاشية علي اصول الكافي( العاملي)

فإذا تقرّر هذا ، فنقول : قوله : « وَ أَوْرَثْنَا بَنِى إِسْرَ ءِيلَ الْكِتَـبَ » ۱ أي جعلناهم ورثة الكتاب ، وحملة الأسفار ، وحفظة الألفاظ ومدلولاتِها اللفظيّةِ ومعانيها الأوّليّة وأحكامها الظاهريّة الفرعيّة ، وإنّما فعلنا ذلك ليكون هدى وذكرى لاُولي الألباب .
فظهر أنّ المقصود الأصليّ في ايراث التوراة لبني إسرائيل وكذا غيره من الكتب السماويّة لطائفة اُخرى غيرهم إنّما هو الهدى والذكرى لاُولى الألباب ، وإنّ غيرهم من أهل الكتاب بمنزلة القوى الخادمة للعقل ، وبمنزلة النُسّاخ ؛ لتبقى النُسَخ محفوظةً لهؤلاء ، ولا تندرسَ بكرور الأزمنة والدهور .
فعلم من ذلك غاية المدح لهم .
وقوله عليه السلام : وقال : « وَ ذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ » ۲ ، تحقيق الآية أنّه تعالى لما ذكر في الآيات السالفة بعضَ دلائل توحيده تعالى من بناء السماء وفرش الأرض وخلق الزوجين من كلّ شيء ، ورتّب عليها الأمر بالفرار إليه تعالى من كلّ ما سواه عملاً والاعتقاد بوحدانيّته باطناً وضميراً بوسيلة تعليم نبيّه الذي هو نذير مبين ، ثمّ أشار إلى جلالة رتبة التوحيد وعِظَم قدره وعزّة وجوده في السابقين واللاحقين حيث ما آتاهم رسول معلّم ولا نبيّ مرشد إلاّ ونسبوه إلى السحر والجنون ، أمر نبيّهَ عليه السلام بالتولّي والإعراض عن الذين درجتهم قاصرة عن إدراك الآيات والاهتداء بهداها ، وهم أكثر الناس كما في قوله : « فَأَعْرِضْ عَن مَّن تَوَلَّى عَن ذِكْرِنَا وَ لَمْ يُرِدْ إِلاَّ الْحَيَوةَ الدُّنْيَا * ذَ لِكَ مَبْلَغُهُم مِّنَ الْعِلْمِ » ۳ ، وبيّن النبيّ صلى الله عليه و آله أنّ ذلك التولّي ليس بقادح في جلالة قدرك ، وأنّ عدم إيمان أكثر الخلق ليس لتقصيرك حتّى تحزن ، فلا تحزن فإنّك لست بملوم في الإعراض عنهم ۴
.

1.غافر (۴۰) : ۵۳ .

2.الذّاريات (۵۱) : ۵۵ .

3.النّجم (۵۳) : ۲۹ ـ ۳۰ .

4.راجع : تفسير الرازي ، ج۲۸ ، ص۲۳۱ .


الحاشية علي اصول الكافي( العاملي)
126

اختصاص له باُولي الألباب بل يعمّهم وغيرَهم بخلاف التذكّر ؛ لاختصاصه بهم .
ثمّ لا شبهة في أنّ الغرض الأصلي من التدبّر والنظر في الآيات إنّما هو حصول العلم واليقين ، وهو مختصّ باُولي الألباب ، فظهر أنّ غاية الإنزال ليس إلاّ هؤلاء ، وفيه من المدح ما لا يخفى .

قال عليه السلام : « وَ لَقَدْ ءَاتَيْنَا مُوسَى الهُدى » ۱ . [ ص۱۶ ح۱۲ ]
أقول : المستفاد في كثير من الآيات ـ التي ذكر فيها مع الكتاب «الهدي» أو «الذكر» أو «الحكمة» كما في قوله : « وَ يُعَلِّمُهُمُ الْكِتَـبَ وَ الْحِكْمَةَ » ۲ وقولِه : « وَأَنزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَـبَ وَالْحِكْمَةَ » ۳ «والنُور» كما في قوله : « قَدْ جَآءَكُم مِّنَ اللَّهِ نُورٌ وَ كِتَـبٌ مُّبِينٌ » ۴ وقوله : « إِنَّـآ أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدىً وَنُورٌ » ۵ وقولِه : « وَءَاتَيْنَـهُ الاْءِنجِيلَ فِيهِ هُدىً وَنُورٌ » ۶ ـ أنّ أهل الكتاب وتعلُّمِهِ قوم ، وأهلَ الهدى والذكر والحكمة والنور قوم آخَرُ أجلُّ رتبةً وأعلى درجةً من أهل الكتاب .
وهذه الألفاظ معانيها اُمور متخالفة بالاعتبار ، متّحدة بالذات ، فالمراد من أهل الكتاب في قوله : « يَـأَهْلَ الْكِتَـبِ » ۷ أينما وقع في القرآن هم عامّة العلماء الظاهرين ، وأمّا أهل الهدى والذكر ، وأصحابُ الحكمة والنور ، واُولوا البصائر والألباب ، فهم الخاصّة من العلماء وأهل التأويل ، والراسخون في العلم ، فهؤلاء ، علماء الآخرة وأهل اللّه وأهل القرآن خاصّةً واُولو بقيّة اللّه في أرضه ، وأهل الكتاب فهم علماء الدنيا الراغبون في مالها وجاهها .

1.غافر (۴۰) : ۵۳ .

2.البقرة (۲) : ۱۲۹ وغيرها .

3.النساء (۴) : ۱۱۳ .

4.المائدة (۵) : ۱۵ .

5.المائدة (۵) : ۴۴ .

6.المائدة (۵) : ۴۶ .

7.آل عمران (۳) : ۶۴ و۶۵ وآيات أُخر .

  • نام منبع :
    الحاشية علي اصول الكافي( العاملي)
    سایر پدیدآورندگان :
    تالیف: أحمد بن زين العابدين العلوي العاملي؛ تحقیق: نعمة الله الجليلي؛ با همکاری: مسلم مهدي زاده
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1385
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 6624
صفحه از 476
پرینت  ارسال به