125
الحاشية علي اصول الكافي( العاملي)

بقوله : « هَلْ يَسْتَوِى الَّذِينَ» ۱ الآية .
ثمّ إنّه أضاف الحذرَ إلى الآخرة والرجاءَ إلى رحمة ربّه تنبيهاً على أنّ جانب الرجاء أكمل وأليق بحضرة الربوبيّة . ويؤكّد هذا المعنى إضافة الربّ إلى الضمير العائد إلى العبد نفسه الدالة على غاية الاختصاص .
وقوله : « هَلْ يَسْتَوِى الَّذِينَ يعْلَمُونَ وَ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ » كأنّه بيان لقوله : « أَمَّنْ هُوَ قَـنِتٌ » ۲ إلى آخره ، ودالّ على أنّ شاهد الخصال المحمودة هو العلم اليقيني لا غير ؛ إذ لا شبهة أنّ في الكلام حذفاً ، والتقدير «أمّن هو قانت كغيره» ، ولدلالة الكلام على الحذف ، فهو حسن لم يدلّ على علوّ شأن العلماء ؟
قيل لبعض العلماء : إنّكم تقولون : العلم أفضل من المال ثمّ نرى العلماء مجتمعين عند أبواب الملوك والسلاطين ، ولا نرى الملوك مجتمعين عند أبواب العلماء ؟
فأجاب بأنّه أيضاً يدلّ على فضيلة العلم ؛ لأنّ العلماء علموا أنّ في المال نوعَ منفعةٍ ، ولم يعلموا الجهّال ۳ أنّ في العلم منفعةً ، فلا جرم لم يطلبوا ۴
.
قال عليه السلام : « كِتَـبٌ أَنزَلْنَـهُ » ۵ . [ ص۱۶ ح۱۲ ]
أقول : معناه أنّ القرآن لاشتماله على أسرار عظيمة ، ومعارفَ لطيفة ، ومقصد إنزاله على رسوله ليتدبّر المتفكّرون في آياته ، ولتحصّل التذكّر ـ أي المعرفة الحقيقيّة ـ لاُولي الألباب فعائدته تدبّر الناس في آياته ، وغاية التدبّر فيها حصول التذكّر لهؤلاء .
وإنّما أطلق في الأوّل وخصّص في الثاني ؛ لأنّ التدبّر ـ وهو النظر والتأمّل ـ لا يستلزم التذكّر ، فربّ متفكّر لا ينتهي بفكره إلى المطلوب الأصلي ، فالتدبّر لا

1.الزمر (۳۹) : ۹ .

2.الظاهر أن يقال : «الجهّال لم يعلموا » ، بتقديم و تأخير ؛ أو يقال : «لَم يَعْلَمِ الجُهّال » ؛ وإلاّ فلا وجه لصيغة الجمع إلاّ من باب «أكلوني البراغيث » .

3.تفسير الرازي ، ج۲۶ ، ص۲۵۱ ؛ نهج السعادة ، ج۷ ، ص۵۰ ، ح۱۱ .

4.ص (۳۸) : ۲۹ .


الحاشية علي اصول الكافي( العاملي)
124

في أعضائه ، وقوى النفس مجتمعة في جوهر ذاتها ، والبدن في الانحلال والاضمحلال أبداً، والنفس باقية ترسخ بقواها إمّا في السعادة والهدى ، وإمّا في الشقاوة والضلال ، والهوى إلى الوبال ، فكان للبدن عيناً يبصر به المحسوسات ، فللنفس عين يبصر به اليقنيّات وهي البصيرة الباطنيّة ، وكلّ إنسان في مبدء الأمر ذا بصيرة بالقوّة ، فإذا خرجت من القوّة إلى الفعل بتكرّر الإدراكات وفعل الحسنات تصير بصيرة بالفعل ، وإن لم يسلك هذا السبيل بل أعرض عن هذا الطريق صار بالفعل أعمى بعد ما كان بصيراً بالقوّة . وإليه الإشارة الإلهيّة بقوله : « وَ مَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِى فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا » ۱ .

قال عليه السلام : وقال : « أمَّنْ » ۲ . [ ص۱۶ ح۱۲ ]
أقول : بعضهم على أنّه بتخفيف الميم ، وبعضهم بتشديدها . الأوّل بناء على دخول ألف الاستفهام على « من » الموصول ، والجواب محذوف تقديره : كمن ليس كذلك . والثاني بناء على أنّ أصله « أم من » فاُدغمت الميم بالميم ، فيكون حينئذٍ هي «أم» التي في قولك : « أزيدٌ أفضل أم عمرو ؟» .
وقول ۳ القانت : القيام بما يجب فيه من الطاعة . روي : «أفضل الصلوات طول القنوت» ۴ . وهو القيام فيها .
قال عليه السلام : « يَحْذَرُ الْأَخِرَةَ » . [ ص۱۶ ح۱۲ ]
أقول : إشارة إلى أنّ الإنسان عند المواظبة على الأعمال ينكشف له في أوّل الأمر مقام القهر المقتضي للخوف ، وهو قوله : « يَحْذَرُ الْأَخِرَةَ » ثمّ بعده مقام الرحمة الباعث للرجاء، وهو قوله : « وَ يَرْجُواْ رَحْمَةَ رَبِّهِ » ثمّ يحصل أنواع المكاشفات ، وهي المراد

1.طه (۲۰) : ۱۲۴ .

2.الزمر (۳۹) : ۹ .

3.كذا ، والظاهر : «وفِعل» .

4.الخصال ، ص۵۲۳ ، ضمن ح۱۳ ؛ كفاية الأثر ، ص۲۵۱ ؛ صحيح مسلم ، ج۲ ، ص۱۷۵ .

  • نام منبع :
    الحاشية علي اصول الكافي( العاملي)
    سایر پدیدآورندگان :
    تالیف: أحمد بن زين العابدين العلوي العاملي؛ تحقیق: نعمة الله الجليلي؛ با همکاری: مسلم مهدي زاده
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1385
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 6623
صفحه از 476
پرینت  ارسال به