109
الحاشية علي اصول الكافي( العاملي)

إسماع الآيات الإلهيّة غير ممكن لمن بلغ قلبه إلى هذه المرتبة من القساوة .
ثمّ لا يخفى أنّ ابن قتيبة احتجّ على أنّ السمع أفضل من البصر بهذه الكريمة حيث قرن تعالى بذهاب السمع ذهاب العقل ولم يقرن بذهاب البصر ، فالسمع أفضل .
وقد زيّفه ابن الأنباري بأنّ الذي نفاه اللّه تعالى من السمع هاهنا بمنزلة ما نفاه من البصر ؛ لأنّه أراد بصائر القلوب لا أبصار العيون ، والذي تبصره القلوب هو الذي يعقله .
وذكر في هذا المقام دلائل اُخرى :
منها : أنّ ذكر السمع والبصر أينما وقع في القرآن فإنّه في الأغلب قدّم السمع على البصر .
ومنها : أنّ العمى قد وقع في حقّ الأنبياء عليهم السلام ، وأمّا الصمّ فغير جائز لأنّه يخلّ بأداء الرسالة .
ومنها : أنّ السمع يدرك من جميع الجوانب دون البصر .
ومنها : أنّ الإنسان يستفيد العلم من المعلّم ولا يمكن ذلك إلاّ بالسمع ، ولا يتوقّف على البصر .
ومنها : أنّه قال : « إِنَّ فِى ذَ لِكَ لَذِكْرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَ هُوَ شَهِيدٌ » ۱ فجعل السمع قريباً للعقل لأنّه المراد من القلب . ويؤكّده أيضاً قوله : « لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِى أَصْحَـبِ السَّعِيرِ » ۲ فجعلوا السمع سبباً للخلاص من عذاب السعير .
ومنها : أنّ امتياز الإنسان عن سائر الحيوان بالنطق والكلام ، وإنّما ينتفع به السامعة لا الباصرة فمتعلّق ۳ السمع النطق الذي به شرف الإنسان ، ومتعلّق البصر الألوان والأشكال ، وذلك أمر مشترك بينه وسائر الأجسام .
ومنها : أنّ الأنبياء عليهم السلام يراهم الناس ويسمعون ، ولا يثبت نبوّتهم برؤيتهم بل

1.ق (۵۰) : ۳۷ .

2.الملك (۶۷) : ۱۰ .

3.في المخطوطة : «فيتعلّق » ، وله وجه إلاّ أنّه لايناسب السياق الآتي.


الحاشية علي اصول الكافي( العاملي)
108

وسمعتم ما أسمع » ۱ .
وعن أميرالمؤمنين عليه السلام : « رأيته فعبدته ، ولم أعبد ربّاً لم أره » ۲ .
قال سبحانه : «لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ» ۳ .
وأكثر من هذا البيان الصريح الذي في القرآن والحديث لا يكون ، لكن أين من يفرغ محلّه عن الخوض في الذي لا يعينه لآثار ربّه ؟ ! أين من يعرف الحقّ من الحقّ لا من الرجال والشيخ والشيوخ والآباء ؟ ! هذا قليل نادر جدّاً .
قوله تعالى : « وَ مِنْهُم مَّن يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ أَفَأَنتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ وَ لَوْ كَانُواْ لاَ يَعْقِلُونَ » ۴ إنّه تعالى قسّم الكفّار في الآية السابقة على هذه الآية قسمين : منهم من يؤمن به أي بالقرآن باطناً لكنّه يجحد ، ومنهم من لا يؤمن به .
وفي هذه الآية قسَّم من لا يؤمن قسمين ، ومنهم من يقسو قلبه نهاية القساوة وجمود الطبع وخمود نار الذهن ، ومنهم من لا يكون كذلك لمكنة استعداد فطري له ۵ ، فوصف القسم الأوّل فقال : « مَّن يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ » لحصول السمع الحسّي لهم مع صمّ من حيث عدم إدراك المعنى ، فبيّن سبحانه لرسوله أنّه لا جدوى في إسماعك إيّاهم آيات الكلام ، ولا ينفع الإنذار والنصيحة ، لأنّهم قد بلغوا في مرض العقل إلى حيث لا يقبلون العلاج ، والطبيب إذا رأى مريضاً لا يقبل العلاج أعرض عنه ، ولا يستوحش من عدم قبوله العلاج ، فهم مثل ذلك فأعرض عنهم .
وإليه الإشارة فيما قاله بلسان نبيّه : « وَ لاَ يَنفَعُكُمْ نُصْحِى إِنْ أَرَدتُّ أَنْ أَنصَحَ لَكُمْ إِن كَانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَن يُغْوِيَكُمْ » ۶ فكما لا يكون الأصمّ سميعاً والأكمه بصيراً ، فكذلك

1.مسند أحمد ، ج ۵ ، ص ۲۶۶ ؛ المعجم الكبير ، ج۸ ، ص۲۱۶ ؛ كنز العمّال ، ج۱۵ ، ص۶۴۳ ، ح۴۲۵۴۲ .

2.راجع : الكافي ، ج ۱ ، ص ۹۷ ، باب في إبطال الرؤية ، ح ۶ ؛ و ص ۱۳۸ ، باب جوامع التوحيد ، ح ۴ .

3.النحل (۱۶) : ۴۴ .

4.يونس (۱۰) : ۴۲ .

5.راجع : تفسير الرازي ، ج۱۷ ، ص۱۰۰ .

6.هود (۱۱) : ۳۴ .

  • نام منبع :
    الحاشية علي اصول الكافي( العاملي)
    سایر پدیدآورندگان :
    تالیف: أحمد بن زين العابدين العلوي العاملي؛ تحقیق: نعمة الله الجليلي؛ با همکاری: مسلم مهدي زاده
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1385
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 6662
صفحه از 476
پرینت  ارسال به