ما شاهدوها ۱ .
ثمّ لا يخفى أنّ الحقّ حَمْلُ كلام اللّه تعالى مهما أمكن على الحقيقة دون المجاز والتشبيه وهاهنا كذلك ، فلأنّ للإنسان غير هذا الحسّي سمعاً عقليّاً ۲ يسمع المعقولات ويدركها إدراكاً عقليّاً ، وله غير هذا البصر الظاهري بصر عقلي ۳ يرى به الصورة العقليّة ويشاهدها مشاهدةً أجلى وأوضحَ من مشاهدة هذا البصر للصور الحسّيّة ، وله أيضاً نطق عقلي يتكلّم به الأقوال العقليّة ، وهو عبارة عن إلقائه العلوم المفصّلة وإعلامه المعقولات ، فلأهل اللّه أعين يبصرون بها ، وآذان يسمعون [بها ]وقلوب يعقلون بها ، وألسنة يتكلّمون بها غير ما هذه الأعينُ والآذان والقلوب والألسنة عليه من الصور « فَإِنَّهَا لاَ تَعْمَى الْأَبْصَـرُ وَ لَـكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِى فِى الصُّدُورِ » ۴ وإنّ المختوم في الأزل « عَلَى قُلُوبِهِمْ وَ عَلَى سَمْعِهِمْ وَ عَلَى أَبْصَـرِهِمْ غِشَـوَةٌ » ۵ « صُمٌّ بُكْمٌ عُمْىٌ فَهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ » ۶ واللّه إنّ عيونهم لفي وجوههم ، وإنّ أسماعهم لفي آذانهم ، وإنّ قلوبهم لفي صدورهم ، ولكن عناية اللّه ما سبقت لهم بالحسنى ، ولم يفتح لهم أبواب السماء . قال تعالى : « وَكَذَ لِكَ نُرِى إِبْرَ هِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَـوَ تِ وَالْأَرْضِ » ۷ .
وقد ورد في الرواية عن النبيّ صلى الله عليه و آله : « إنّي أرى مالاترون» . ۸
وعنه صلى الله عليه و آله أيضاً : « لو لا تزييد في حديثكم وتمريغ ۹ في قلوبكم ، لرأيتم ما أرى ،
1.البقرة (۲) : ۱۷۱ .
2.تفسير الرازي ، ج۵ ، ص۸ من قوله : «لهذه الآية تفسيران» ؛ وراجع : زاد المسير ، ج۱ ، ص۱۵۶ .
3.في المخطوطة : «سمع عقليّ» .
4.هنا للرفع وجه كما لا يخفى ، فتدبّر.
5.الحجّ (۲۲) : ۴۶ .
6.البقرة (۲) : ۷ .
7.الأنعام (۶) : ۷۵ .
8.مسند أحمد ، ج۵ ، ص۱۷۳ ؛ تفسير القرطبى ، ج۴ ، ص۲۸۴ ؛ بحار الأنوار ، ج۵۹ ، ص۱۹۹ ، ح۶۹ ، وهو صريح قوله تعالى في سورة الأنفال (۸) : ۴۸ .
9.قد تقرا في المخطوطة : «تمريخ» ، وما أدرجناه من مسند أحمد ، وفي المعجم الكبير : «تمريج» ، وفي كنزالعمال : «تمزع» .