107
الحاشية علي اصول الكافي( العاملي)

ما شاهدوها ۱ .
ثمّ لا يخفى أنّ الحقّ حَمْلُ كلام اللّه تعالى مهما أمكن على الحقيقة دون المجاز والتشبيه وهاهنا كذلك ، فلأنّ للإنسان غير هذا الحسّي سمعاً عقليّاً ۲ يسمع المعقولات ويدركها إدراكاً عقليّاً ، وله غير هذا البصر الظاهري بصر عقلي ۳ يرى به الصورة العقليّة ويشاهدها مشاهدةً أجلى وأوضحَ من مشاهدة هذا البصر للصور الحسّيّة ، وله أيضاً نطق عقلي يتكلّم به الأقوال العقليّة ، وهو عبارة عن إلقائه العلوم المفصّلة وإعلامه المعقولات ، فلأهل اللّه أعين يبصرون بها ، وآذان يسمعون [بها ]وقلوب يعقلون بها ، وألسنة يتكلّمون بها غير ما هذه الأعينُ والآذان والقلوب والألسنة عليه من الصور « فَإِنَّهَا لاَ تَعْمَى الْأَبْصَـرُ وَ لَـكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِى فِى الصُّدُورِ » ۴ وإنّ المختوم في الأزل « عَلَى قُلُوبِهِمْ وَ عَلَى سَمْعِهِمْ وَ عَلَى أَبْصَـرِهِمْ غِشَـوَةٌ » ۵ « صُمٌّ بُكْمٌ عُمْىٌ فَهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ » ۶ واللّه إنّ عيونهم لفي وجوههم ، وإنّ أسماعهم لفي آذانهم ، وإنّ قلوبهم لفي صدورهم ، ولكن عناية اللّه ما سبقت لهم بالحسنى ، ولم يفتح لهم أبواب السماء . قال تعالى : « وَكَذَ لِكَ نُرِى إِبْرَ هِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَـوَ تِ وَالْأَرْضِ » ۷ .
وقد ورد في الرواية عن النبيّ صلى الله عليه و آله : « إنّي أرى مالاترون» . ۸
وعنه صلى الله عليه و آله أيضاً : « لو لا تزييد في حديثكم وتمريغ ۹ في قلوبكم ، لرأيتم ما أرى ،

1.البقرة (۲) : ۱۷۱ .

2.تفسير الرازي ، ج۵ ، ص۸ من قوله : «لهذه الآية تفسيران» ؛ وراجع : زاد المسير ، ج۱ ، ص۱۵۶ .

3.في المخطوطة : «سمع عقليّ» .

4.هنا للرفع وجه كما لا يخفى ، فتدبّر.

5.الحجّ (۲۲) : ۴۶ .

6.البقرة (۲) : ۷ .

7.الأنعام (۶) : ۷۵ .

8.مسند أحمد ، ج۵ ، ص۱۷۳ ؛ تفسير القرطبى ، ج۴ ، ص۲۸۴ ؛ بحار الأنوار ، ج۵۹ ، ص۱۹۹ ، ح۶۹ ، وهو صريح قوله تعالى في سورة الأنفال (۸) : ۴۸ .

9.قد تقرا في المخطوطة : «تمريخ» ، وما أدرجناه من مسند أحمد ، وفي المعجم الكبير : «تمريج» ، وفي كنزالعمال : «تمزع» .


الحاشية علي اصول الكافي( العاملي)
106

ومثل الذين يدعون أهل الكفر إلى الحقّ كمثل الذي ينعق ، فصار الناعق مثل الداعي إلى الحقّ كالرسول وسائر الدعاة إلى الحقّ ، وصار الكفّار بمنزلة الغنم المنعوق بها ووجه التشبيه عدم فهمهم لما يسمعون كالبهيمة تسمع الصوت ولا تفهم معناه .
الثاني : مثل الذين كفروا في دعائهم آلهتهم من الأوثان كمثل الناعق في دعائه لما لم يسمع ولا يفهم شيئاً من الكلام كالبهائم وما يجري مجراه ، والبهائم لا تفهم فشُبِّه الأصنام ـ لأنّها لا تفهم ـ بالبهائم ، فإذا كان من دعا بهيمة عدّ داعيها جاهلاً ، فمن دعا حجراً كان أولى بالذّم .
والفرق بين هذا القول وما قبله أنّ المحذوف هاهنا هو الدعوة وهناك الداعي .
وفيه أنّ قوله : « إلاّ دعاءً ونداءً » ۱ لا يساعده ؛ لأنّ الأصنام لا تسمع شيئاً .
الثالث : مثل الذين كفروا في دعائهم آلهتَم كمثل الناعق في دعائه عند الجبل ، فإنّه لا يسمع إلاّ صدى صوتِه ، فإنّه قال : يا زيد! يُسمع من الصدى : يا زيد ! فكذلك هؤلاء الكفّار إذا دعوا هذه الأصنام والأوثان ، لا يسمعون منها ما تلفّظوا به من الدعاء والنداء .
تفسير الثاني فيه وجهان :
الأوّل : أن يقول : مثل الذين كفروا في قلّة عقلهم في عبادتهم لهذه الأوثان كمثل الراعي إذا تكلّم مع البهائم ، فكما أنّه يقضى على ذلك الداعي بقلّة العقل فكذا هنا .
الثاني : مثل الذين كفروا في اتّباعهم آبائَهم ، وتقليدهم لهم ـ كمثل الراعي إذا تكلّم مع البهائم ـ عبث عديم الفائدة ، فكذا التقليد عبث عديم الفائدة .
وأمّا قوله : « صُمٌّ بُكْمٌ عُمْىٌ [فَهُمْ لايَعْقِلوُنَ] » ۲ فقيل فيه : إنّه تعالى لما شبّههم بالبهائم في عديم العقل ، زاد في تبكيتهم ، فقال : « صُمٌّ بُكْمٌ عُمْىٌ » لأنّهم صاروا بمنزلة الأصمّ في أنّ الذين سمعوه كأن لم يسمعوه ، وبمنزلة البُكْم في أن لا يستجيبوا لما دُعوا إليه ، وبمنزلة العُمْي من حيث إنّهم أعرضوا عن الدلائل ، فصاروا كأنّهم

1.البقرة (۲) : ۱۷۱ .

  • نام منبع :
    الحاشية علي اصول الكافي( العاملي)
    سایر پدیدآورندگان :
    تالیف: أحمد بن زين العابدين العلوي العاملي؛ تحقیق: نعمة الله الجليلي؛ با همکاری: مسلم مهدي زاده
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1385
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 6663
صفحه از 476
پرینت  ارسال به