وهكذا يتمثّل ويتصوّر حقائق الأشياء وأرواحها يوم القيامة بصور تناسبها ، وتكون ۱ الروح في غطاء من الصور في عالم التلبيس وعالم الحسّ ، والآنَ « فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَـآءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ » ۲ فليتأمّل فيه .
وأمّا قوله : « لا يعقلها إلاّ العالمون » فالمراد منه أنّ تلك الأمثال المضروبة للناس لابدّ أن ينتفع بها العامّ والخاصّ ، فنصيبُ العامّيَّ منه من كلّ مَثَل أن يدرك ظاهره المحسوس، ويقف عليه ، وينتفع به ترغيباً وترهيباً لما فيه ضرب من المطابقة لأصله ، ونصيبُ الخاصّيَّ أن يدرك باطنه ، ويعبرَ من ظاهره إلى سرّه ، ومن محسوسه ۳ الجزئي إلى معقوله الكلّي، فأرباب القشور الظاهرة ـ وهم أكثر الناس ـ لا يدركون من تلك الأمثال إلاّ محسوساتها ، وأمّا أهل التمايز ۴ والعلوم ـ وهم الأقلّون كما سيجيء ـ فيدركون معقولاتها كلٌّ بحسب حاله ومقامه .
قال عليه السلام : « ما ألفينا عليه » ۵ . [ ص۱۴ ح۱۲ ]
أقول : أي وجدنا ؛ بدليل قوله تعالى في آية اُخرى : « بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا » ۶ وقوله : « وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَا الْبَابِ » ۷ إنّ اللّه تعالى أمرهم أن يتّبعوا ما أنزل اللّه تعالى من الحجج القاطعة والبراهين الباهرة فهم قالوا : ما نتّبع ذلك ، بل نتّبع آباءنا وأسلافنا ، فكانوا عارضوا الدلالة بالتقليد ، فوبّخهم اللّه بقوله : « أَوَ لَوْ كَانَ ءَابَآؤُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ شَيْئا وَ لاَ يَهْتَدُونَ » ؟! ۸ فإنّ الواو في قوله : « أَوَلَوْ » واو العطف دخلت عليه همزة الاستفهام