مخصوصة لا يطّلع عليها إلاّ من يمرّ بها ويصل إليها ، ويكون له عقل يعلم أهل ذلك من أمر اللّه وقدرته؛ لاختصاصه بمكان دون مكان ، وفي زمان دون غيره .
قال عليه السلام : يا هشام ! إنّ العقل مع العلم . [ ص۱۴ ح۱۲ ]
أقول : « وَ تِلْكَ الْأَمْثَـلُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ » ۱ . لا يخفى أنّ المَثَل عبارة عن أداء المعنى في صورةٍ إن نظرت إلى معناها وجدته صادقاً ... إلى آخر ما تقدّم ، وإنّما كثر في القرآن ضرب الأمثال ؛ لأنّ الدنيا من عالم المُلك والشهادة ، والآخرةَ من عالم الغيب والملكوت ، وما من صورة في هذا العالم إلاّ ولها حقيقة في عالم الآخرة ، وما معنى حقيقي في الآخرة إلاّ وله مثال وصورة في الدنيا ؛ إذ العوالم والنشآت متطابقة ، فالموجودات في الدنيا أمثلة لما في الآخرة ، كما أنّ المرئيّات في النوم أمثلة لما في هذه الدنيا ، فما سيكون في اليقظة لا يظهر لك في النوم إلاّ بضرب الأمثال المحوجة إلى التعبير .
وكذلك ما سيكون في يقظة الآخرة لا يتبيّن لك في نوم الدنيا إلاّ في كسوة الأمثال، ونعني بكسوة الأمثال ما تعرفه من عالم التعبير ، والتعبير من أوّله إلى آخره مثال يعرّفك طريقَ ضرب الأمثال ، وليس للأنبياء عليهم السلام أن يتكلّموا مع الخلق إلاّ بضرب الأمثال ؛ لأنّهم كلّفوا أن يكلّموا الناس على قدر عقولهم ، وقدرُ عقولهم أنّهم في النوم ، والنائم لا يكشف له شيء إلاّ بمثل ، فإذا ماتوا انتبهوا عرفوا أنّ المثل صادق ۲ .
فالأنبياء عليهم السلام هم المعبِّرون لما عليه أهل الدنيا من الأحوال والصفات وما يؤول إليه عاقبتها في يقظة الآخرة بكسوة الأمثال الدنيويّة كما أنّ ابن سيرين هو المعبّر لما رآه الإنسان في النوم في كسوة المثل إلى ما ينتهي أمره في اليقظة .