103
الحاشية علي اصول الكافي( العاملي)

قيل : جاء رجل إلى ابن سيرين ، وقال : رأيت كأنّ في يدي خاتما ۱ أختم به أفواه الرجال وفروج النساء ؟ فقال : إنّك مؤذّن تؤذّن في رمضان قبل الفجر ، فقال : صدقت .
وجاء آخر ، وقال : رأيت كأنّي أصبّ الزيت في الزيتون ؟ فقال : إن كان تحتك جارية اشتريتها ، ففتّش عن حالها فإنّها اُمّك ؛ لأنّ الزيتون أصل الزيت ، فهو ردّ إلى الأصل ، فنظر فإذن جارية كانت اُمّة وقد سُبيت في صغره .
وقال آخَرُ : كأنّي اُعلق الدرّ في أعناق الخنازير فقال : إنّك اُمَّه تعلّم الحكمةَ غيرَ أهلها ، وكان كما قال ۲ .
فقد ظهر وتبيّن لك معنى ضرب الأمثال ، ولو فتح لك باب الموازنة بين المحسوس والمعقول ، لانفتح باب عظيم في العلم ؛ إذ في معرفة الموازنة بين العالمَيْن : عالمِ الملك والشهادة ، وعالم الملكوت والغيب ، أسرار شريفة من لم يطّلع عليها ، حرم عليه الاقتباس من أنوار القرآن والتعظيم ، ولم يَحْظَ من علمه إلاّ القشور .
والرؤيا الصادقة جزء من النبوّة ؛ لأنّ ما يراه النائم المصادق النومَ إنّما يراه حقّاً ؛يتجلّى ۳ له في عالم الغيب شيء ممّا في عالم الشهادة ، وعالم الغيب والملكوت وهو عالم النبوّة ، والنبيّ من يتجلّى له تمام الملك والملكوت ، وكما تتجلّى حقائق الأشياء في حال النوم بكسوة الأمثال ، كذلك يتجلّى في النشأة الآخرة بكسوة الأمثال ، والصورة اللائقة بتلك النشأة .
ولعلّ ذلك المؤذّن الذي يؤذّن في شهر رمضان قبل الفجر يحشر يوم القيامة وفي يده خاتم من نار يخرج من فمه ، ويقال له : هذا هو الخاتم الذي يتختّم به أفواهَ الرجال وفروج النساء . ويقول : واللّه ! ما فعلت ، فيقال له : نعم ، كنت تفعله ، ولكن تجهله ؛ لأنّ هذا روح فعلك قد نُفخ بنفخ الصور في قالبه ۴ .

1.في المخطوطة : «خاتم » .

2.بحارالأنوار ، ج ۵۸ ، ص ۲۰۶ ، ذيل ح ۷۵ ؛ وراجع : ج ۶۵ ، ح ۷۰ ، ذيل ح ۳۰.

3.في المخطوطة : «يتحلّى» .

4.المبدأ والمعاد ، لصدر الدين محمّد الشيرازي ، ص۵۹۳ ؛ بحار الأنوار ، ج۶۱ ، ص۲۰۶ كلاهما نقلاً عن إبن سيرين .


الحاشية علي اصول الكافي( العاملي)
102

مخصوصة لا يطّلع عليها إلاّ من يمرّ بها ويصل إليها ، ويكون له عقل يعلم أهل ذلك من أمر اللّه وقدرته؛ لاختصاصه بمكان دون مكان ، وفي زمان دون غيره .

قال عليه السلام : يا هشام ! إنّ العقل مع العلم . [ ص۱۴ ح۱۲ ]
أقول : « وَ تِلْكَ الْأَمْثَـلُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ » ۱ . لا يخفى أنّ المَثَل عبارة عن أداء المعنى في صورةٍ إن نظرت إلى معناها وجدته صادقاً ... إلى آخر ما تقدّم ، وإنّما كثر في القرآن ضرب الأمثال ؛ لأنّ الدنيا من عالم المُلك والشهادة ، والآخرةَ من عالم الغيب والملكوت ، وما من صورة في هذا العالم إلاّ ولها حقيقة في عالم الآخرة ، وما معنى حقيقي في الآخرة إلاّ وله مثال وصورة في الدنيا ؛ إذ العوالم والنشآت متطابقة ، فالموجودات في الدنيا أمثلة لما في الآخرة ، كما أنّ المرئيّات في النوم أمثلة لما في هذه الدنيا ، فما سيكون في اليقظة لا يظهر لك في النوم إلاّ بضرب الأمثال المحوجة إلى التعبير .
وكذلك ما سيكون في يقظة الآخرة لا يتبيّن لك في نوم الدنيا إلاّ في كسوة الأمثال، ونعني بكسوة الأمثال ما تعرفه من عالم التعبير ، والتعبير من أوّله إلى آخره مثال يعرّفك طريقَ ضرب الأمثال ، وليس للأنبياء عليهم السلام أن يتكلّموا مع الخلق إلاّ بضرب الأمثال ؛ لأنّهم كلّفوا أن يكلّموا الناس على قدر عقولهم ، وقدرُ عقولهم أنّهم في النوم ، والنائم لا يكشف له شيء إلاّ بمثل ، فإذا ماتوا انتبهوا عرفوا أنّ المثل صادق ۲ .
فالأنبياء عليهم السلام هم المعبِّرون لما عليه أهل الدنيا من الأحوال والصفات وما يؤول إليه عاقبتها في يقظة الآخرة بكسوة الأمثال الدنيويّة كما أنّ ابن سيرين هو المعبّر لما رآه الإنسان في النوم في كسوة المثل إلى ما ينتهي أمره في اليقظة .

1.العنكبوت (۲۹) : ۴۳ .

2.إشارة إلى كلام أمير الكلام والفصاحة عليّ بن أبي طالب عليه السلام : «الناس نيام فإذا ماتو انتسبهوا » كما في خصائص الأئمّة ، ص ۱۱۲ ؛ عوالى اللئالي ، ج ۴ ، ص ۷۳ ، ح ۴۸ ؛ وبحار الأنوار ، ج ۴ ، ص ۴۳ ، ذيل ح ۱۸ وراجع : المبدأ والمعاد ، لصدر الدين محمّد الشيرازي ، ص۵۹۳ ؛ الصافي ، ج۱ ، ص۳۲ .

  • نام منبع :
    الحاشية علي اصول الكافي( العاملي)
    سایر پدیدآورندگان :
    تالیف: أحمد بن زين العابدين العلوي العاملي؛ تحقیق: نعمة الله الجليلي؛ با همکاری: مسلم مهدي زاده
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1385
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 6673
صفحه از 476
پرینت  ارسال به