وجه اللزوم أنّ إخباره تعالى بها يوجب يأس الكفّار وإغراء الأخيار ، وكلاهما قبيح يمتنع أن يرتكبه اللّه تعالى ؛ لأنّ اليأس والإغراء مبعّدٌ لهما عن الطاعات ، مقرّب لهما إلى المعاصي ، فيكون فيه مفسدة .
لأنّا نقول : إنّا لا نسلّم أنّ الأخبار المذكورة مفسدة ، وإنّما يكون كذلك لو عيّن فيه أشخاص المؤمنين والكافرين ، وليس كذلك كما بُيّن في موضعه ، ويقبح منه تعالى التعذيب مع منعه اللطف ، يرشدك إليه قوله تعالى : « وَلَوْ أَنَّـآ أَهْلَكْنَـهُم بِعَذَابٍ مِّن قَبْلِهِ لَقَالُواْ رَبَّنَا لَوْلاَ أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولاً » ۱ الآية ، فإنّه تعالى أخبر عنه بأنّه لو لم يبعث إليهم الرسول ، لكان لهم هذا القول ، وليس لهم هذا إلاّ مع قبح إهلاكهم بدون البعثة ، فعلم أن ترك اللطف ومنعه يوجب قبح عذابهم .
فإن قلت : إنّ تكليف ۲ الكافر إنّما يكون حسناً لو لم يكن مفسدة وليس كذلك ؛ لأنّه مشقّة في الدنيا وعذاب في الآخرة .
قلت : إنّ هذه المفسدة إنّما هي من جهة ترك الإتيان بالمأمور به ، وفائدة تكليفه التعريض للثواب وهو حاصل له ، وتركه بسوء اختياره اللطف على قسمين :
منه : ما يقع الواجب عنده ، ويقال له : التوفيق واللطف المحصّل ولولاه لم يقع .
ومنه : ما لم يقع عنده ما هو لطف فيه لكنّه يكون أقرب وهو اللطف المقرّب .
فإذا تقرّر هذا ، فنقول : إنّ ما استدلّ ذلك الرجل من عدم وجوب اللطف إليه تعالى تمسّكاً بالآية ، فهو عليل حيث إنّ ليس المراد من الفتنة الامتحان والاختبار .
وفي النهاية الأثيريّة : ومنه الحديث : « المؤمن خُلق مفتنا أي ممتحناً يمتحنه اللّه بالذنب ، ثمّ يتوب ، ثمّ يعود ، ثمّ يتوب يقال : فتنته أفتنه فتناً وفتوناً : إذا امتحنه . وفي حديث الكسوف : «وإنّكم تفتنون في القبور» يريد مسألة منكر ونكير . من الفتنة و الامتحان والاختبار ۳ .