على الوجه الذي عرف آنفاً ـ ألواناً ، فله ذلك إلاّ أنّه يكون باشتراك الاسم .
هذا كله إذا أُخذ كلامه بظاهره ، وأمّا إذا نُظِر إليه بتحديق النظر ، فليس فيه إلاّ أنّ المراد باللون إن كان ما يَحدث في الحاسّة هذه الكيفيةَ المحسوسة ، فليس له ذلك في الظلمة ، و إن لم يكن المراد ذلك بل كان أمراً أعمَّ منه كان له وجود في الخارج قبل الضوء ومعه وبعده على ما نبّه عليه بقوله : «لكنّه إن يسمّي».
فإن قلت : إنّ الشيخ ذكر في هذا المبحث حيث قال : «وليس لقائل أن يقول...» أنّ اللون موجود في الظلمة لكنّ الظلمة تمنعه عن الرؤية ؛ إذ المظلِم من الأهوية ليس يمنع رؤية ما وراءها وإلاّ لما جاز أن يرى الشيء عند كونه حائلاً بين الرائي والمرئيّ ، وليس كذلك ؛ إذ المرئيّ إذا كان له ضوء وكان بينه وبين الرائي هواء مظلم له أن يراه ، فلا يكون الهواء مانعاً .
قلت : إنّ اللون على التوجيهين مشروط وجوده بالضوء لا مطلقاً .
ومن تضاعيف البيان ظهر حال ما قيل في المواقف من أنّه قال ابن سينا وكثير من الحكماء : إنّ الضوء شرط لوجود اللون ، وإنّه إنّما يحدث عند حصول الغير ، غير موجود في الظلمة بل الجسم مستعدّ لأن يحصل فيه اللون المعيّن عند حصول الضوء فيما هو قابل له ، ثمّ نقل دليلاً على ذلك حيث قال : إنّه يقول : إنّا لا نرى اللون في الظلمة ، فانتفاء رؤيته فيها إمّا لعدمه ، أو لوجود عائق هو الهواء المظلم الذي هو واسطة بيننا ، لكنّ الثاني باطل ؛ إذ لو كان الهواء المظلم معاوقاً ممانعاً للرؤية ، لما جاز أن يدرك الشيء إذا صار الهواء المظلم واسطةً بين الرائي والمرئيّ ؛ لكنّ التالي باطل ، فكذا مقدّمته .
أمّا الملازمة ، فلوجوب انتفاء المعلول عند وجود المانع ، وأمّا بطلان التالي ، فلأنّ الرائي قد يكون في غار مظلم وفيه هواء كلُّه على الصفة التي تظنّه مظلماً ، وقد تبصر في خارج الغار جسماً مستضيئاً بضياء النار أوقدت هناك نار ۱ .