79
الحاشية علي اصول الكافي (النائيني)

۰.والصدقُ عِزٌّ ، والجهلُ ذُلٌّ ، والفهمُ مَجْدٌ ، والجودُ نُجْحٌ ، وحُسْنُ الخُلُقِ مَجْلَبَةٌ للمودّة ، والعالمُ بزمانه لا تهجُمُ عليه اللوابسُ ، والحزمُ مَساءةُ الظنِّ، وبين المرء والحكمة نِعْمةُ

من جنوده، فقال: (والصدق عزّ) أي شرف، أو قوّة وغلبة. والمراد بالصدق هنا الصدق في الاعتقاد ، ولذا قابله بالجهل؛ فإنّ الاعتقاد الكاذب جهلٌ ، كما أنّ الاعتقاد الصادق علم. (والفهم مجد) والمجد نيل الشرف والكرم. (والجود) بالمال (نجح) والنجح ـ بضمّ النون والحاء المهملة بعد الجيم ـ : الظفر بالحوائج (وحسن الخلق مجلبة للمودّة). المجلبة إمّا مصدر ميمي حَمَلَه على حسن الخلق، كما حمل سائر المصادر السابقة ۱ على سائر الصفات مبالغةً، أو اسم مكان . والأوّل أوفقُ بنظائره .
ولمّا ذكر أنّ العقل بجنوده من العلم والفهم والصدق مناط الفلاح والعزّ والمجد، وكان فيه الدلالة على بطلان الطواغيت؛ لجهلهم وخلوّهم من الفهم والصدق والعلم وانقياد العقل، بل اتّبعوا أهواءهم فادّعوا لأنفسهم ما ليس لهم وتركوا الحقّ وأهله وظلموهم، فكان مظنّة توهّم أنّه كيف يجوز على الجمع الكثير كثرةً لا يخرج عنها إلاّ قليل نادر مثلُ هذا الاتّفاق على ترك الحقّ مع ظهوره عليهم، أو على أكثرهم واتّباع الأهواء وابتداع الآراء الباطلة، فأزال ۲ عليه السلام هذا الوهم بقوله عليه السلام : (والعالم بزمانه لا يهجم عليه اللوابس) أي لا يدخل عليه الشبهات. أو المراد من الهجوم الدخول بقوّة وغلبة، فإنّ العالم بزمانه يعرف أنّ أهل الزمان مع كثرتهم وبلوغهم أضعافَ اُولئك قلّما يُرى ۳ في جماهيرهم ووجوه مشاهيرهم مَن لا يستكبر عن الإقرار بالحقّ ولا يتّبع هواه، حتّى مَن يبالغ منهم في السداد وإظهار الصلاح، ۴ والتقوى والفلاح، فانضمّ فيهم الإضلال إلى الضلال، وتَقَوّى ۵
ضلالُهم بالإضلال، وعسى أن
يكون الإقرار بالحقّ والانقيادُ له عند القليل النادر المتروك عندهم، المذمومِ لديهم، المحسود لهم، فيبغضونه للتعارف الذي بينهم وينكرونه، تقويةً لباطلهم وترويجا له، كما كان في أسلافهم حَذْوَ النعل بالنعل، بل البَطَلَة من أهل هذه الأزمان أسواُ حالاً وأشدّ خسرانا من اُولئك الظلمة من السابقين ؛ حيث لا ينالون باستكبارهم عن الحقّ ما نالوه من الدنيا بل شَرَوْا الحقّ بثمن بخس تسلية أنفسهم بإخفاء الحقّ والتلبيس على الحُمق والوجاهة عندهم .
ثمّ لمّا كان مظنّة أن يقال: الظنّ بالسلف أنّهم مثل أبناء هذه الأزمان ۶ بل تجويز ذلك من سوء الظنّ بهم، فقال عليه السلام : (والحزم مساءة الظنّ).في حاشية «ل»: والمراد بمساءة الظنّ التجويز العقلي الذي يقع به الاحتياط، لا اعتقاد الفساد أو القول بالسوء رجما بالغيب، فإنّه مذموم. بل ينبغي أن يكون الإنسان حسن الظنّ بالخلائق، ولا منافاة بين الأمرين . الوافي، ج ۱، ص ۱۱۹ . الحزم: إحكام الأمر وضبطُه والأخذ فيه ۷ بالثقة، والمساءة مصدر ميمي .
والمراد أنّ إحكام الأمر وضبطَه والأخذَ بالثقة و تحصيلَ العلم فيه يوجب سوء الظنّ بهم، أو يترتّب ۸ على سوء الظنّ بهم وتجويز كونهم مثلَ هؤلاء؛ فإنّه لو لم يجوِّز ذلك لِحُسْنِ الظنّ بهم، لم يتتبّع ۹ ولم يَسْعَ في طلب معرفة الحقّ، فلا يحصل له العلم بالحقّ، فمن يريد تحصيل العلم والاعتقاد الجازم الثابت يبني ۱۰ الأمر على تجويز السوء منهم أوّلاً حتّى يتبيّن ۱۱ الأمر بالبيّنة، ومن يجوِّز السوء بهم يوصله ذلك التجويز إلى إحكام الأمر والبناءِ فيه على الموثوق به الذي يوجب الاعتقاد الجازم الثابت.

1. في «م»: «السالفة» .

2. جواب «لمّا ذكر» .

3. في «م»: «قلّما ترى» .

4. في «خ، ل»: «في إظهار السداد والصلاح» .

5. في «خ، ل»: «يقوى» .

6. في «خ، ل»: «هذا الزمان» .

7. في «خ»: «منه» .

8. الضمير المستتر في «يترتّب» راجع إلى «إحكام الأمر» .

9. في «م، ل»: «لم يتبع» .

10. في «خ» : «يعني» .

11. في «ت»: «يتبنّى» .


الحاشية علي اصول الكافي (النائيني)
78

۰.تَنظُروا كيف عقلُه؟

۲۹.بعض أصحابنا، رَفَعَه، عن مفضّل بن عمرَ، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال:«يا مُفضّلُ، لايُفْلِحُ من لايَعقِلُ، ولا يَعقِلُ من لايعلمُ، وسوفَ يَنْجُبُ من يَفهمُ، ويَظْفَرُ من يَحْلُمُ، والعلمُ جُنَّة،

قوله: (لا يفلح من لا يعقل).
الفلاح: الفوز والنجاة، والمراد بمن لا يعقل: مَن لا يتبع حكم العقل، ولا يكون عقله مستوليا على قوى نفسه، ولا يعقل ولا يستولي عقله على قوى نفسه مَن لا يحصّل العلم و لايصير ذا علم؛ فإنّه بالعلم من جنوده يحصل له الاستيلاء والغلبة .
(وسوف ينجب من يفهم).
النجيب: الفاضل النفيس في نوعه، والمراد أنّه من يكون ذا فهم فهو قريب من أن يصير عالما، ومن صارعا لما ۱ فقريب من أن يستولي ويغلب عقله على قوى نفسه وهواه .
وكذا (يظفر من يحلم) أي يعقل، أو يكون ذا أناة، وهو من آثار غلبة العقل على القوى الغضبيّة والشهوانيّة، فلا يسرع إلى مقتضاهما، فالظفر بالمقصود والفوز يحصل له عن قريب .
(والعلم جُنّة) أي وقاية من غلبة القوى الشهوانيّة والغضبيّة والدواعي النفسانيّة ومِن أن يلبس عليه الأمر ويدخل عليه الشبه. ۲
وهذا شروع في ذكر محاسن بعضٍ من جنود العقل، فذكر العلم أوّلاً، ثمّ الصدق

1. في حاشية «خ»: الأولى أن يقال: من يفهم الأشياء ويميّز بين خيرها و شرّها و حَسَنها وقبيحها، ويفهم أنّ من اختار الخير و الحسن فهو نجيب، ومن اختار الشرّ والقبيح فهو خسيس، فسوف يختار الأوّل وينجب (لراقمه خليل).

2. في «خ، ل»: «الشبهة» .

  • نام منبع :
    الحاشية علي اصول الكافي (النائيني)
    سایر پدیدآورندگان :
    تالیف: رفيع الدين محمد بن حيدر النائيني ؛ تحقیق: محمّد حسين الدّرايتي؛ با همکاری: نعمة الله الجليلي
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1382
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 6223
صفحه از 672
پرینت  ارسال به