۰.العرشِ بغير زوالٍ ، والمتعالي على الخلق بلا تَباعُدٍ منهم ولا مُلامَسَةٍ منه لهم ، ليس له حَدٌّ ينتهي إلى حَدٍّ ، ولا له مِثْلٌ فيُعْرَفَ بمثله ، ذَلَّ من تَجَبَّرَ غيرَه ، وصَغُرَ من تَكَبَّرَ دونَه ، وتواضَعَتِ الأشياءُ لعظمته ، وانقادَتْ لسلطانه وعِزَّتِه ، وكَلَّتْ عن إدراكه طروفُ العيونِ ، وقَصُرَتْ دونَ بلوغ صفته أوهامُ الخلائق ، الأوّلِ قبلَ كلِّ شيءٍ ولا قبلَ له ، والآخِرِ بعدَ كلِّ شيء ولا بعدَ له ، الظاهرِ على كلّ شيء بالقَهْر له ، والمشاهِدِ لجميع الأماكن بلا انتقالٍ إليها ، لا تَلْمِسُه لامِسَةً ، ولا تَحُسُّهُ حاسَّةٌ ، هو الذي في السماء إلهٌ وفي الأرض إلهٌ وهو الحكيمُ
وقوله: (ذلّ من تجبّر) أي ذلّ له كلُّ من تجبّر (غيرُه) فإنّ كلّ ما يغايره ممكن مخلوق ذليل للخالق القديم (وصغر كلّ من تكبّر دونه) فإنّ كلّ ما سواه موصوف بالصغار ، أو الصِغَر لدى خالقه الكبير المتعال ، أو المراد أنّ كلّ ما سواه مخلوق له، مستفيض الوجود والكمالِ من فيض جوده وعزّه وكبره ، وبالتلبّس بالذلّ والصغر اللائق به، وبالتلبّس به يستزيد كمالاً وعزّا وكبرا به، فمن تجبّر أو تكبّر منهم، حرم من العزّ والكبر من هذه الجهة، ولم يكن له إلاّ الذلّ والصغر اللائقين به في حدّ ذاته، فبتجبّره وتكبّره الموجب للحرمان من العزّ والكبر بالتذلّل والتعبّد له اكتسب ذلاًّ وصغرا.
وقوله: (وتواضعت الأشياء لعظمته وانقادت لسلطانه وعزّته) تعميم وتتميم لما سبقه.
وقوله: (وكَلَّتْ عن إدراكه طروف العيون) إلى قوله: (هو الذي في السماء إله وفي الأرض إله) توضيح وتفصيل لكمال تجرّده سبحانه وتقدّسه وتنزّهه عن المادّة والمُدّة ولواحقها.
وقوله: (هو الذي في السماء إله) أي مستحقّ لأن يعبده السماوات وما فيها، وتتواضع لعظمته وتنقاد لسلطانه وعزّته لربوبيّته لها (وفي الأرض إله) لاستحقاقه لأن يعبده ۱ الأرض وما فيها ، و تتواضع لعظمته وتنقاد لسلطانه وعزّته للربوبيّة .