۰.علامات التدبير ، الذي سُئلَتِ الأنبياءُ عنه فلم تَصِفْه بحدٍّ ولا ببعضٍ ، بل وَصَفَتْهُ بفِعالِه ، ودَلَّتْ عليه بآياته ، لا تَستطيعُ عقولُ المتفكّرين جَحْدَه ، لأنَّ من كانت السماواتُ والأرضُ فِطرَتَه وما فيهنّ وما بينهنّ ، وهو الصانع لهنَّ ، فلا مَدْفَعَ لقدرته ، الذي نَأى من الخلق ، فلا شيء كمثله ، الذي خَلَقَ خلقَه لعبادته ، وأقْدَرَهم على طاعته بما جَعَلَ فيهم وقَطَعَ عُذْرَهم
وعن قول المقول في جواب «ماهو» ولا يوصف بالمكان والموضع، وأنّ له مكانا وموضعا لما ذكر (الذي بطن من خفيّات الاُمور) فخفيّات الاُمور عن المدارك أظهرُ منه، وهي عاجزة عن دركها فضلاً عن دركه. وظهر في المدرك العقلي بما يُرى في خلقه من علامات تدبيره، فينتقل منها إلى وجوده وصفاته الكماليّة وأسمائه وتوحيده، فهو بحقيقته الأحديّة لا يناله مدرك حسّي ولا عقليّ، ومن حيث العلم بوجوده ومعرفته بصفات كماله وتوحيده ظاهرٌ عند العقل من علامات تدبيره (الذي سُئِلَت الأنبياء عنه فلم تصفه) الأنبياء (بحدٍّ ولا بنغض).
و «النغض» ـ بالنون والغين والضاد المعجمتين ـ : الحركةُ، فإنّه سبحانه لا يتحدّد بحدّ، ولا ينتقل من حال إلى حال، فلا يصحّ وصفه بشيء منها، إنّما يوصف بفعاله ويُدَلّ عليه بآياته الدالّة على وجوده وتوحيده الذي لا يستطيع عقول المتفكّرين جَحْدَه؛ لأنّ العقول المتفكّرة مفطورة على العلم بمقدّمات فطريّةٍ كافية عند الاطّلاع على آياته من خلقه والتدبّرِ فيها للانتقال إلى وجود الصانع المبدع الأزلي الأبدي العالم القادر المدبّر السرمدي المبدأ الواحد الصمد الأحديّ، وآياتُه ظاهرة باهرة غير خافية على عقل من العقول، وكيف يخفى ومن آياته خلق السماوات والأرض وما فيهنّ وما بينهنّ، والمتفكّر فيها من العقول لا مدفع لعلمه بوجود الصانع القادر العليم والملك العزيز الحكيم (الذي نأى من الخلق) ولم يقاربهم في شيء (فلا شيء كمثله، الذي خلق خلقه لعبادته) أي معرفته والذُلِّ والانقيادِ له (وأقدرهم) وأعطاهم القدرة (على طاعته بما جعل فيهم) من القوّة والاستطاعة (وقطع عذرهم) من غفلتهم ودواعي الفَساد والطغيان من غضبهم وشهوتهم مقترنةً بوساوس الشيطان