۰. شَىْ ءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ » ففرَّق بين قبلٍ وبعدٍ ليُعْلَمَ أن لا قبلَ له ولا بعدَ له ، شاهدةً بغرائزها أن لا غريزةَ لمُغْرِزِها ، مُخبِرَةً بتوقيتها أن لا وقتَ لموقِّتِها ، حجب بعضَها عن بعض ليُعْلَمَ أن لا حجابَ بينه وبين خلقِه ، كان ربّا إذ لا مربوبَ ، وإلها إذ لا مألوهَ ، وعالما إذ لا معلومَ ، وسميعا إذ لا مَسموعَ».
التداني لا يوجب التفرّق، بل يأباه، فلابدّ له من مفرّق، فهي دالّة بتفريقه لها على مفرّقها، وبتأليفه لها على مؤلّفها، وذلك قول اللّه تعالى: « وَ مِن كُلِّ شَىْ ءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ » ۱ .
ولعلّ دلالة خلق الزوجين على المفرّق والمؤلّف لهما لأنّه خلق الزوجين من واحد بالنوع، فيحتاج إلى مفرِّق يجعلهما متفرّقين وجُعلا مزاوجين ومؤتلفين اُلفةً لخصوصهما من جهة المفارقة، فيحتاج إلى مؤلِّف يجعلهما مؤتلفين (ففرّق بين قبلٍ وبعد ليُعلم) بجعل مهيّة يلزمها القبلُ والبعد كالزمان والوقت (أن لا قبل له ولا بعد) لتعالي الخالق عن أن يضمّه المخلوق وهي (شاهدة بغرائزها) وطبائعها تشهد بها (أن لا غريزة لمغرّزها) لتعاليه عن التحدّد الذي إنّما يكون به الطبيعة والغريزة؛ لأنّه تحدّد يلحقه الوجود والمتحدّدة ۲ به خاليةٌ في ذاتها عن الوجود، أو لتعاليه عن التحدّد مطلقا (مخبرةً بتوقيتها أن لا وقت لموقّتها) لما ذكر. (حجب بعضَها عن بعض) بتحديد البعض وتوقيته بما لا يحضره بعض (ليعلم أنّه سبحانه لا حجاب بينه وبين خلقه) حيث يتعالى عن التحدّد والتوقّت وغروب شيء عنه. كان ربّا مالكا له على الإطلاق بذاته لكلّ شيء معطيا للوجود وحافظا، ومالكيّته وربوبيّته لا تتوقّف على وجود المربوب، ولا تتوقّت بوقت وجوده، فهو (كان ربّا إذ لا مربوب) وهو إله مستحقّ بذاته لأن يُعبد قبل وقت وجود المتعبّد الذي له الإله، فالمألوه هنا بمعنى النسبة لا الاشتقاقِ؛ لئلاّ يخرج الكلام عن الانتظام والاتّساق، كما حملناه عليه في باب المعبود وباب معاني الأسماء عند شرح رواية هشام بن الحكم (وعالما إذ