417
الحاشية علي اصول الكافي (النائيني)

باب الحركة والانتقال

۱.محمّد بن أبي عبد اللّه ، عن محمّد بن إسماعيلَ البرمكيّ ، عن عليّ بن عبّاس الجَراذينيّ ، عن الحسن بن راشد ، عن يعقوبَ بن جعفر الجعفريّ ، عن أبي إبراهيمَ عليه السلام قال :ذُكر عنده قوم يَزعُمونَ أنَّ اللّه ـ تبارك وتعالى ـ يَنزِلُ إلى السماء الدنيا ، فقال : «إنَّ اللّه لا يَنزِلُ ولا يَحتاجُ إلى أن يَنزِلَ ، إنّما منظرُه في القرب والبعد سواءٌ ، لم يَبْعُد منه قريبٌ ، ولم يَقْرُبْ منه بعيدٌ ، ولم يَحْتَجْ إلى شيء ، بل يُحْتاجُ إليه وهو ذو الطَّوْلِ ، لا إلهَ إلاّ هو العزيزُ الحكيمُ . أمّا قولُ الواصفين : إنّه يَنزِلُ تبارك وتعالى ، فإنّما يقول ذلك من يَنْسُبُهُ إلى نقصٍ أو زيادةٍ ، وكلُّ متحرّكٍ محتاجٌ إلى من يُحَرِّكُه أو يَتَحَرَّكُ به ، فمن ظَنَّ باللّه الظنونَ هَلَكَ ،

باب الحركة والانتقال
قوله: (إنّما منظره) أي ما ينظر إليه (في القرب والبُعد منه ۱ سواء) أي لا يختلف اطّلاعه على الأشياء بالقرب والبُعد؛ وذلك لأنّ القرب والبعد إنّما يجريان في المكانيّ بالنسبة إلى المكانيّ، وهو سبحانه متعالٍ عن المكان، وهو في غاية التجرّد، فما يتّصف بالقرب والبُعد ـ ومن شأنه الاتّصاف بأحدهما ـ لا يتّصف به بالنسبة إليه سبحانه (ولم يحتج) في علمه وفي سائر كمالاته (إلى شيء ، بل يحتاج إليه) كلّ شيء في وجوده وجميع كمالاته (وهو ذو الطَوْل) والفضل (لا إله إلاّ هو العزيز الحكيم).
وفي كلامه إشارة إلى الاستدلال على غَنائه عن كلّ شيء وحاجةِ كلّ شيء إليه باُلوهيّته ووجوبه الذاتي وهويّته المتوحّدة بذاته.
قوله: (فإنّما يقول ذلك مَن ينسبه إلى نقص ... ) وذلك لأنّ النزول المكاني إنّما يتصوّر في المتحيّز، وكلّ متحيّز موصوفٌ بالتقدّر، وكلّ متقدّر متّصفٌ بالنقص عمّا

1. في الكافي المطبوع: - «منه».


الحاشية علي اصول الكافي (النائيني)
416

۰.فهذا هو المعنى الصحيح في تأويل الصمد ، لا ما ذهَب إليه المشبِّهةُ : أنّ تأويلَ الصمد : المُصْمَتُ الّذي لا جوفَ له ؛ لأنّ ذلك لا يكونُ إلاّ من صفة الجسم ، واللّه ُ جَلَّ ذِكْرُهُ متعالٍ عن ذلك ، هو أعظمُ وأجَلُّ من أن تَقَعَ الأوهامُ على صفته ، أو تُدرِكَ كُنْهَ عظمته ، ولو كانَ تأويلُ الصمد في صفة اللّه ـ عزّ وجلّ ـ المصمَتَ ، لكانَ مخالفا لقوله عزّ وجلّ : « لَيْسَ كَمِثْلِهِى شَىْ ءٌ » لأنَّ ذلك من صفة الأجسام المصمَتَةِ الّتي لا أجوافَ لها ، مثل الحَجَرِ والحديدِ وسائر الأشياء المصْمَتَةِ الّتي لا أجوافَ لها ، تعالى اللّه عن ذلك عُلُوّا كبيرا.
فأمّا ما جاء في الأخبار من ذلك ، فالعالِمُ عليه السلام أعلمُ بما قالَ ، وهذا الّذي قال عليه السلام أنَّ الصمدَ هو السيّدُ المصمودُ إليه هو معنىً صحيحٌ موافقٌ لقول اللّه عزّ وجلّ : « لَيْسَ كَمِثْلِهِى شَىْ ءٌ » والمصمودُ إليه: المقصودُ في اللغة ، قال أبو طالب في بعض ما كان يَمْدَحُ به النبيَّ صلى الله عليه و آله من شعره :
وبالجَمْرةِ القُصوى إذا صَمَدوا لَهايَؤُمُّونَ قَذْفا رأسَها بالجَنادِلِ
يعني قصدوا نحوها يَرمُونَها بالجنادل ، يعني الحَصا الصغارَ الّتي تُسَمّى بالجمار .
وقال بعض شعراء الجاهليّة شِعْرا :
ما كنتُ أحسَبُ أنّ بيتا ظاهراللّه في أكنافِ مكّةَ يُصْمَدُ
يعني يُقْصَدُ .
وقال ابن الزِّبْرِقانِ : وَلا رَهِيبَةَ إلاّ سيّدٌ صَمَدٌ
وقال شَدّادُ بنُ معاويةَ في حُذَيفَةَ بنِ بَدْرٍ :
عَلَوْتُه بحُسامٍ ثُمّ قلتُ لَهخُذْها حُذَيْفُ فأنتَ السيّدُ الصمدُ
ومثل هذا كثير ، واللّه ـ عزّ وجلّ ـ هو السيّدُ الصَمَدُ الّذي جميعُ الخلق من الجنّ والإنس إليه يَصْمُدونَ في الحوائج ، وإليه يَلجَأونَ عند الشدائد ، ومنه يَرْجُونَ الرخاءَ ودوام النَّعْماء ، لِيَدفَعَ عنهم الشدائدَ .

  • نام منبع :
    الحاشية علي اصول الكافي (النائيني)
    سایر پدیدآورندگان :
    تالیف: رفيع الدين محمد بن حيدر النائيني ؛ تحقیق: محمّد حسين الدّرايتي؛ با همکاری: نعمة الله الجليلي
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1382
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 5700
صفحه از 672
پرینت  ارسال به