413
الحاشية علي اصول الكافي (النائيني)

۰.وأمّا الباطن ، فليس على معنى الاستبطانِ للأشياء بأن يَغورَ فيها ، ولكن ذلك منه على اسْتِبطانِه للأشياء علما وحفظا وتدبيرا ، كقول القائل : أبْطَنْتُه ، يعني خَبَّرْتُه وعلمتُ مكتومَ سِرِّهِ ، والباطنُ منّا الغائبُ في الشيء المستَتِرُ ، وقد جَمَعْنا الاسمَ واخْتَلَفَ المعنى .
وأمّا القاهر ، فليس على معنى عِلاجٍ ونَصَبٍ واحتيالٍ ومُداراةٍ ومَكْرٍ ، كما يَقهَرُ العبادُ بعضُهم بعضا ، والمقهورُ منهم يَعودُ قاهرا ، والقاهرُ يَعودُ مقهورا ، ولكن ذلك من اللّه تبارك وتعالى ، على أنَّ جميعَ ما خَلَقَ مُلَبَّسٌ به الذلُّ لفاعله وقلّةُ الامتناع لما أرادَ به ، لم يَخْرُجْ منه طرفَةَ عينٍ أن يقول لَه : كن فيكون ، والقاهر منّا على ما ذكرتُ ووَصَفْتُ ؛ فقد جَمَعنا الاسمَ واختلف المعنى .

حكمها من الصورة المنطبعة في المشاعر، أو حضور أنفسنا، فالظاهر منّا بارز بنفسه، معلومٌ بحدّه، وهو سبحانه ظاهر بارز الصنعة معلوم الآثار، فاشترك الاسم، واختلف المعنى.
قوله: (وأمّا الباطن فليس على معنى الاستبطان للأشياء . . . ) أي ليس الباطن بمعنى الغائر في الشيء ، الداخلِ في بطنه المستورِ بالظاهر، ولكن كونه باطنا استبطانُ علمه وحفظه وتدبيره للأشياء، فعلمه غائر في الأشياء، داخل في بطنها المستور بالظاهر منها، وكذا حفظه وتدبيره بالغٌ بواطنَ الأشياء وبطونَها ، المستورةَ بظواهرها (والباطن منّا) أي من المخلوق (الغائر ۱ في الشيء المستتر) بالظاهر؛ (فقد شملنا ۲ الاسمُ واختلف المعنى).
قوله: (وأمّا القاهر فليس على معنى علاج ونصب واحتيال).
«العلاج»: مزاولة الفعل والسعي فيه والمداواة. و «النصب»: التعب والمشقّة. و «الاحتيال»: جودة النظر والقدرة على التصرّف. والقاهر في حقّه سبحانه ليس بهذا المعنى، إنّما قهر عباده بهذه الصفة، فاللفظ وإن اتّحد فالمعنى مختلف. والقاهر من

1. في الكافي المطبوع: «الغائب».

2. في الكافي المطبوع: «وقد جمعنا».


الحاشية علي اصول الكافي (النائيني)
412

۰.وأمّا الظاهر ، فليس من أجْلِ أنّه علا الاشياءَ بركوبٍ فوقَها وقعودٍ عليها وتَسَنُّمٍ لِذُراها ، ولكن ذلك لقَهْره ولغَلَبَتِه الأشياءَ وقدرتِه عليها ، كقول الرجل : ظَهَرْتُ على أعدائي وأظْهَرَني اللّه ُ على خَصْمي يُخْبِرُ عن الفَلْج والغلبة ؛ فهكذا ظهورُ اللّه على الأشياء . ووَجْهٌ آخَرُ : أنّه الظاهرُ لمن أرادَه ولا يَخفى عليه شيءٌ ، وأنّه مُدَبِّرٌ لكلّ ما بَرَأ ، فأيُّ ظاهرٍ أظهرُ وأوضحُ من اللّه تبارك وتعالى ؟ لأنّك لا تَعْدَمُ صنعتَه حيثُما تَوَجَّهَت ، وفيك من آثاره ما يُغنيك ، والظاهر منّا البارِزُ بنفسه والمعلومُ بحَدِّه ، فقد جَمَعْنا الاسمَ ولم يَجْمَعْنا المعنى .

سابقا على علمه، ولا أقلَّ من كون علمه بغيره ۱ بحصول أمر مغاير له لم يكن له في ذاته، فالاسم واحد في الخالق والمخلوق، والمعنى مختلف.
قوله: (وأمّا الظاهر فليس من أجل أنّه علا الأشياء...).
لفظة «علا» هنا ۲ فعلٌ متعدٍّ مفعولُه «الأشياء» وقوله: (بركوب فوقها) ذِكْر لأقسام العلوّ تبيينا وتوضيحا له، فهذا المعنى أحد معاني لفظ «الظهور» وليس الظاهر الذي من أسماء اللّه سبحانه من الظهور بهذا المعنى، بل من الظهور بمعنى القهر والغلبة والقدرة على الأشياء؛ فإنّه قد جاء بهذا المعنى (كقول الرجل: ظهرت على أعدائي، وأظهرني اللّه على خصمي يخبر) بهذا القول (عن الفلج) أي الظفر والفوز (و) عن (الغلبة) . فالظاهر الذي من أسماء اللّه سبحانه من الظهور بهذا المعنى.
ويحتمل وجها آخَرَ هو كونه من الظهور بمعنى الكشف وعدم الخَفاء، فهو الظاهر المنكشف من غير خَفاء وسِتْر لمن أراده، والظاهر المطّلع على الأشياء (لا يخفى عليه شيء) وكيف يخفى عليه شيء (وأنّه مدبّر لكلّ ما برأ، فأيّ ظاهر أظهرُ وأوضح من اللّه تعالى؟) أمّا من جهة الاطّلاع، فلما ذكر من أنّه مدبّر لكلّ ما برأ. وأمّا من جهة الانكشاف والوضوح لمن أراده، فلأنّك لا تعدم صنعته حيثما توجّهت، وفيك من آثاره ما يغنيك عن التوجّه إلى خارج، فهو منكشف من حيث دلالة الآثار الواضحة على إنّيّته، والانكشاف وإن كان يكون فينا لكنّه بمعرفة الحدّ وما في

1. في «خ، ل»: «لغيره».

2. في «خ»: «هاهنا».

  • نام منبع :
    الحاشية علي اصول الكافي (النائيني)
    سایر پدیدآورندگان :
    تالیف: رفيع الدين محمد بن حيدر النائيني ؛ تحقیق: محمّد حسين الدّرايتي؛ با همکاری: نعمة الله الجليلي
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1382
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 5924
صفحه از 672
پرینت  ارسال به