۰.ما ضَيَّعوا ، فقد يقالُ للرجل : كَلْبٌ وحمارٌ وثورٌ وسُكَّرَةٌ وعَلْقَمَةٌ وأسدٌ ، كلُّ ذلك على خلافه وحالاته ، لم تَقَعِ الأسامي على معانيها الّتي كانَتْ بُنِيَتْ عليه ؛ لأنّ الإنسانَ ليس بأسدٍ ولا كلبٍ ، فافهم ذلك رحمك اللّه .
وإنّما سُمِّيَ اللّه ُ تعالى بالعلم بغير علمٍ حادثٍ عَلِمَ به الأشياءَ ، اسْتَعانَ به على حِفْظ ما يُستقبَلُ من أمره والروِيَّةِ فيما يَخلُقُ من خَلْقِه ، ويُفْسِدُ ما مضى ممّا أفنى من خلقه ممّا لو لم يَحْضُرْهُ ذلك العلمُ ويَغيبُه كانَ جاهلاً ضعيفا ، كما أنّا لو رأينا علماءَ الخلقِ إنّما سُمُّوا بالعلم
ضيّعوا) ولم يكن لهم اعتذار بأنّك كلّمتنا بما لا نعقله ولا يكون على طباق الشائع من استعمالاتنا.
وقوله: (فقد ۱ يقال للرجل...) بيان لشيوع استعمال اللفظ الواحد على معانٍ مختلفة.
وقوله: (وإنّما سمّي اللّه بالعلم) أي وُصف به، أو اُطلق عليه العليم المشتّقُ من العلم. وهذا التوصيف والإطلاق ليس باعتبار علم مغاير للعالم حاصلٍ له، يكون هو مناطَ الانكشاف على العالم، ويستعين العالم به على رعاية ما يستقبل من أمره، وما يحدث له، وعدمِ الغفلة عنه، وعلى الرويّة والتفكّر فيما يخلقه من خلقه، ويفسد عند خلقه ما مضى ممّا أفناه من خلقه ؛ حيث لم يُبقه بتأثيره ۲ ، أو المعنى فيما يفسد من خلقه، فيكون قوله «ما مضى» بدلاً من «ما يفسد».
وقوله: (ممّا لو لم يحضره ذلك العلم) أي من العلم الذي لو لم يحضر العالمَ ذلك العلم (ويعيّنه) ۳ ويحصّله تعيينا وتحصيلاً لا يكون له إلاّ بحصوله بعد خلوّه عنه بذاته (كان جاهلاً ضعيفا).
وفي بعض النسخ «يغيبه» من الغيبة مكانَ «يعيّنه» من التعيين، فيكون مفسّرا لقوله: «لم يحضره».