403
الحاشية علي اصول الكافي (النائيني)

۰.أوَ لاترى ـ وَفَّقَكَ اللّه ُ وثَبَّتَكَ ـ إلى أثرِ صُنْعِه في النبات اللطيفِ وغيرِ اللطيف ، ومن الخَلْق اللطيف ، ومن الحيوان الصغار ، ومن البَعوض والجِرْجِسِ وما هو أصغر منها ما لا يكادُ تَستبينُه العيونُ ، بل لا يكادُ يُستَبانُ لصِغَرِه الذَكَرُ من الأُنثى ، والحَدَثُ المولودُ من القديم ، فلمّا رأينا صِغَر ذلك في لطفه واهتداءه لِلسَّفاد ، والهَرَبَ من الموت ، والجمعَ لما يُصلِحُهُ وما في لُجَجِ البحار، وما في لِحاءِ الأشجارِ والمفاوِزِ والقِفارِ، وإفهامَ بعضِها عن بعضٍ مَنطِقَها وما يَفْهَمُ به أولادُها عنها ، ونَقْلَها الغذاءَ إليها ، ثمّ تأليفَ ألوانِها ، حُمْرَةٍ مع صُفرةٍ ، وبياضٍ مع حُمرَةٍ ، وأنّه ما لا تكادُ عيونُنا تَستبينُه لدَمامَةِ خَلْقِها ، لا تراه عُيونُنا ، ولا تَلمِسُه أيدينا عَلِمْنا أنّ خالقَ هذا الخلق لطيفٌ ، لَطُفَ بخَلْق ما سَمَّيْناه بلا عِلاجٍ ولا أداةٍ ولا آلةٍ ، وأنّ كلَّ صانِعِ شيءٍ فمِنْ شيءٍ صَنَعَ، واللّه ُ الخالقُ اللطيفُ الجليلُ، خَلَقَ وصَنَعَ لا من شيءٍ».

۲.عليُّ بن محمّد ، مُرسَلاً ، عن أبي الحسن الرضا عليه السلام قال :قال : «اعْلَمْ عَلَّمَكَ اللّه ُ الخيرَ أنّ اللّه َ ـ تبارك وتعالى ـ قديمٌ ، والقِدَمُ صفتُه الّتي دَلَّتِ العاقلَ على أنّه لا شيءَ قبلَه

وقوله: (أو لا ترى وَفّقك اللّه وثبّتك إلى أثر صنعه في النبات...).
تنبيه على نفي عجزه سبحانه عن خلق الدقيق، ونفي جهله بالشيء الدقيق وأدقِّ ما فيه من الدقائق.
و«الجرجس» ـ بالكسر ـ : البعوض الصغار. و«لِحاء الأشجار» : قشرها.
وقوله : (لدمامة خلقها) أي لكونها مستورةً بما يغطّيها.
قوله: (والقِدم صفته التي دلّت العاقل).
المراد بالقدم وجوب الوجود بالذات والسرمديّة، ووجوب الوجود بالذات يدلّ على التوحّد ۱ بالسرمديّة؛ لامتناع التعدّد في الواجب بذاته واستحالة سرمديّة غيره ۲ ، فلا شيء قبله لسرمديّته، ولا شيء معه وفي مرتبته في ديموميّته واستمرار وجوده؛

1. في «خ، م»: «التوحيد».

2. في حاشية «ت»: لامتناع وجوده في مرتبة علّته، ويكون ذاته مع قطع النظر عن إيجاد موجده معدوما؛ فلا يكون سرمديّا.


الحاشية علي اصول الكافي (النائيني)
402

۰.بواحدٍ ؛ لأنَّ أعضاءَه مختلفةٌ ، وألوانَه مختلفةٌ ، ومَن ألوانُه مختلفةٌ غيرُ واحدٍ ، وهو أجزاءٌ مُجَزّاةٌ ، ليسَتْ بسواءٍ ؛ دمُهُ غيرُ لَحْمِه ، ولَحْمهُ غيرُ دَمِه ، وعَصَبُه غيرُ عروقِه ، وشَعْرُه غيرُ بَشَرِه ، وسَوادُه غيرُ بَياضه ، وكذلك سائرُ جميعِ الخَلْق ؛ فالإنسانُ واحدٌ في الاسم ولا واحدٌ في المعنى ، واللّه ُ ـ جلَّ جلاله ـ هو واحدٌ ، لا واحدَ غيرُه ، لا اختلافَ فيه ولا تفاوتَ ولا زيادةَ ولا نقصانَ ، فأمّا الإنسانُ المخلوقُ المصنوعُ المؤلَّفُ من أجزاءٍ مختلفةٍ وجواهرَ شَتّى ، غيرَ أنّه بالاجتماع شيءٌ واحدٌ» .
قلت : جعلت فداك ، فَرَّجْتَ عنّي ، فَرَّجَ اللّه عنك ، فقولك : اللطيف الخبير فَسِّرْهُ لي كما فَسَّرْتَ الواحدَ ، فإنّي أعلمُ أنّ لُطفَه على خلافِ لُطْفِ خَلْقِه للفَصْلِ ، غيرَ أنّي اُحِبُّ أن تَشْرَحَ ذلك لي ، فقال : «يا فتح ، إنّما قُلنا : اللطيف ، للخلق اللطيف ، ولعلمه بالشيء اللطيف ،

أجزاء واُمور متكثّرة متعدّدة، ووحدته سبحانه نفي الكثرة والتجزّؤ والتعدّد فيه مطلقا.
قوله: (لطفه على خلاف لطف خلقه للفصل) أي لما علمت من وجوب الفصل ونفي التشابه بينه وبين خلقه إلاّ أنّي اُحبّ أن تشرح ذلك لي وتبيّن معناه ومفهومه.
وقوله: (إنّما قلنا: اللطيف للخلق اللطيف).
لعلّ المراد به أنّ اللطيف هو الشيء الدقيق، ثمّ، استعمل فيما هو سبب ومبدأ للدقيق من القوّة على صنعه والعلم به، فيقال لصانعه: إنّه دقّ ولطف بصنعه وهو صانع دقيق في صنعه، وللعالم به: إنّه دقّ ولطف بدركه وهو عالم دقيق في دركه، وهو سبحانه قويٌّ على خلق الدقيق لا بقوّة استعمال آلة وأداة، وعالمٌ بالدقيق لا بكيفيّة نفسانيّة؛ لاستحالة التشابه، فإنّما قلنا له: «اللطيف» لما لا يعجز عن خلقه، ويخلقه لا بالقوّة التي نعقلها فينا، ولا باستعمال أداة وآلة. ولمّا لا يجهلها ويحيط علمه بها لا بكيفيّة نعقلها في نفوسنا، فالمقصود باللطف فيه سبحانه نفي العجز عن خلق الدقيق، ونفي الجهل بالدقيق.

  • نام منبع :
    الحاشية علي اصول الكافي (النائيني)
    سایر پدیدآورندگان :
    تالیف: رفيع الدين محمد بن حيدر النائيني ؛ تحقیق: محمّد حسين الدّرايتي؛ با همکاری: نعمة الله الجليلي
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1382
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 6225
صفحه از 672
پرینت  ارسال به