359
الحاشية علي اصول الكافي (النائيني)

۲.محمّد بن يحيى ، عن محمّد بن الحسين ، عن ابن أبي عُمير ، عن هِشام بن سالم ، عن محمّد بن مسلم ، عن أبي جعفر عليه السلام قال :سمعته يقول : «كانَ اللّه ُ ـ عزَّ وجلَّ ـ ولا شيءَ غيرُه ، ولم يَزَلْ عالما بما يكونُ ، فعِلْمُه به قبلَ كونه كعِلْمِه به بعدَ كونِهِ» .

قوله: (كان اللّه ولا شيء غيره ولم يزل عالما بما يكون) أي كان اللّه لذاته عالما بجميع الأشياء ولم يكن شيئا موجودا غيره، فهو لذاته بذاته مناط انكشاف جميع الأشياء، لا الأشياءُ بوجودها، فعلمه بكلّ شيء يوجَد قبل كونه ، كعلمه تعالى به بعد كونه؛ لعدم الاختلاف في مناط الانكشاف.
وتوضيح المقام: إنّ كلّ شيء معلولٍ متأخّرٌ عن ذاته سبحانه، وهو مبدؤه الذي يَفيض الوجود عليه، وهو سبحانه أجلُّ من أن يُحاط بدهر أو زمان، وهذا الانقطاع في الوجود إذا قيس إلى انقطاع الزمانيات بعضها عن بعض، كان المبدأ متقدّما على المعلول كتقدّم المتقدّم بالزمان على المتأخّر بالزمان ، حتّى لو كانا زمانيَّيْن ـ سبحانه وتعالى عن ذلك ـ كان المبدأ متقدّما بالزمان على معلوله الصادر عنه، وليس كالانقطاع والانفصال بين ما هو أحقُّ بالوجود من آخَرَ ، وبين الآخَر؛ فإنّ الانفصال هاهنا في استحقاق الوجود، ومرجعه إلى أحقّيّةٍ مّا، وهناك في نفس الوجود ، ومرجعه إلى الإخراج من العدم إلى الوجود،فالانفصال بين وجود المبدأ الموجِد المتعالي عن نسبة التقدّر والامتداد، وبين وجودِ موجَده الصادر عنه ، كان أحقُّ العبارات عنه عند إرادة التعبير العبارةَ عن الانفصال الزماني بين المتقدّم والمتأخّر الزمانيَّيْن؛ إذ لا عبارة أقربَ إليه منها، ويشار إلى تعاليه سبحانه من الدخول تحت الزمان.
وهذا هو الذي يعبَّر عنه عند التعبير عن حال المتأخّر «بالحدوث الذاتي» عند الحكماء؛ لعدم مداخلة الزمان هناك، و«بالحدوث الزماني» عند محقّقي المتكلّمين؛ لأحقّيّته بهذا التعبير؛ رفعا للاشتباه بالانفصال بأحقّيّة الوجود، ولذا ترى الأحاديث الواردة في إثبات الحدوث مكتفيا فيها بإثبات المبدأ الموجِد للأشياء وصدورها عنه.
ولمّا كان ذاته سبحانه مناطا لانكشاف الأشياء عليه بذاته، لا هي بوجوداتها،
والعلمُ عبارةً عن مناط الانكشاف، والانكشافُ عبارةً عن ظهور الشيء على العالِم ظهورا هو وجوده العلمي وحصوله الانكشافي، فيكون العلم ذاتَه كما هو المصرّح به في الحديث السابق، ويكون جميع الأشياء منكشفا عليه بمناطيّة ذاته لهذا الانكشاف، فالأشياء بوجوداتها العلميّة ـ أعني بكونها منكشفةً له سبحانه بذاته لا بمدخليّة أمرٍ آخَرَ ـ حاصلةٌ في علمه، مُحاطةٌ به قبل كونها ووجودها عينا ، كما هي منكشفة حاصلة في علمه بعد كونها.
ثمّ لا ريب في أنّ كلّ منكشف، له نحو من الحصول، ولا أقلَّ من انكشافه على العالم وحصوله له وفي علمه، ويقال له: الوجودُ الظلّي والمثالي والحصول العلمي للعالم وهو عن الوجود العيني بمعزل، ويقال للموجود بذلك الوجود الحاصلِ للعالِم وفيعلمه: صورةً وشبحا وظلاًّ ومثالاً ۱ ، وعند تغاير العلم والعالم ـ وهو فيما لايكون ذاته بذاته مناطا للانكشاف ـ يكون العلم لا محالة حاصلاً للعالم وفيه؛ لناعتيّته له.
وأمّا الوجود المثالي الذي للمعلوم عند العالم ـ وهو انكشافه للعالم ـ فهو للعالم ومُحاط بعلمه، فالمثال بحسبه حاصل للعالم وفي علمه، وعند اتّحاد العلم والعالم ـ وهو فيما ذاته بذاته مناط للانكشاف ـ ليس إلاّ الاتّحادَ، ولا مجال لحصول العلم للعالم وفيه.
وأمّا الوجود الانكشافي للمعلوم الذي لا ينفكّ عن العلم، فهو للعالم بما هو عالم به وهو حاضر له وفيه بما هو عالم به ومحيط به إحاطةً علميّة، ولا يفارق له وفيه أحدهما عن الآخَر هاهنا، ولا يستدعي مناطيّة ذاته للانكشاف المستتبع للمنكشف بوجوده المثالي كثرةً مثاليّةً حاصلةً لذاته في مرتبة ذاته غير متأخّرة عنه، ولا كثرةً ظلّيّةً حاصلةً في ذاته إلاّ حصول المُحاط في الإحاطة العلميّة في المحيط.

1. كذا في النسخ، والصحيح: رفع المذكورات لا نصبها.


الحاشية علي اصول الكافي (النائيني)
358

۰.مقدورَ ، فلمّا أحدَثَ الأشياءَ وكان المعلومُ وَقَعَ العلمُ منه على المعلومِ ، والسمعُ على المسموعِ ، والبصرُ على المبصر ، والقدرةُ على المقدور» . قال : قلت : فلم يَزَلِ اللّه ُ متحرِّكا؟ قال : فقال : «تعالى اللّه ُ عن ذلك ، إنَّ الحركةَ صفةٌ مُحدَثَةٌ بالفعل» . قال : قلت : فلم يَزَلِ اللّه ُ متكلِّما؟ قال : فقال : «إنَّ الكلامَ صفةٌ مُحْدَثَةٌ ليستْ بأزليّةٍ ، كانَ اللّه ُ ـ عزّ وجلّ ـ ولا متكلِّمَ» .

وإن لم يشأ لم يفعل، وهي فينا كيفيّاتٌ وقُوىً قائمة بذواتنا وأنفسنا، ولا كذلك في حقّه سبحانه، إنّما مناط هذه الاُمور ثَمَّةَ ذاتُه الاحديّة المقدّسة عن شَوْب الكيفيّات والقُوى والعوارض والطوارئ، فهو سبحانه موصوف بها بذاته، ولا يُسلب شيء منها عنه بالنسبة إلى شيء ممّا يصحّ نسبته إليه، فلا يكون عالما بشيء وغيرَ عالم بشيء يصحّ عليه المعلوميّةُ، ولا يكون سميعا بشيء وغيرَ سميع بشيء يصحّ عليه المسموعيّة، وبصيرا بشيء وغير بصير بشيء يصحّ عليه المبصَريّة، وقادرا على شيء وغيرَ قادر على شيء يصحّ عليه المقدوريّة؛ فهي صفات الذات، وللذات بذاته المناطيّة فيها، ولا مدخل للغير فيه.
وقوله: (قلت: فلم يزل اللّه متحرّكا ؟) سؤال عن كونه منتقلاً من حال إلى حال كذلك والجواب نفي جواز اتّصافه بالحركة؛ لكونها محدَثة بالفعل، أي بالإيجاد والتأثير، فتكون من الموجودات الزائدة على الذات، لا من السلوب والإضافات، فلا يمكن اتّصافه بها، فضلاً عن أن يتّصف بها لذاته.
وقوله: (قلت: فلم يزل اللّه متكلّما) سؤال عن كون الكلام من صفاته الحقيقية الذاتيّة. والجواب أنّ الكلام صفة محدَثة غير أزليّة، والكلام فيه كالكلام في الحركة، فلا اتّصاف له به حقيقةً، لا أزلاً، ولا فيما لا يزال، والاتّصافُ به فيما لا يزال إنّما يكون بالاتّصاف بالإضافة إليه؛ حيث لا يُعتبر في كون الكلام كلامَه قيامُ الكلام به، كما هو في الحاضر، وذلك بخلاف الحركة؛ حيث يعتبر في كونها حركةً للمتحرّك بها قيامُها به.

  • نام منبع :
    الحاشية علي اصول الكافي (النائيني)
    سایر پدیدآورندگان :
    تالیف: رفيع الدين محمد بن حيدر النائيني ؛ تحقیق: محمّد حسين الدّرايتي؛ با همکاری: نعمة الله الجليلي
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1382
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 6119
صفحه از 672
پرینت  ارسال به