۰.قال : «اللّه تعالى» . قال : رأيتَه؟ قال : «بل لم تَرَهُ العيونُ بمشاهَدَة الأبصارِ ، ولكن رأتْه القلوبُ بحقائق الإيمان ، لا يُعْرَفُ بالقياس ، ولا يُدْرَكُ بالحواسِّ ، ولا يُشَبَّهُ بالناس ، موصوفٌ بالآيات ، معروفٌ بالعلامات ، لا يَجورُ في حُكمه ؛ ذلك اللّه ُ ، لا إلهَ إلاّ هو» . قال :
قوله: (ولكن رأته القلوب بحقائق الإيمان) أي بالعقائد التي هي حقائق ، أي عقائد عقليّة ثابتة يقينيّة لا يتطرّق إليها الزوال والتغيّر، والمراد بحقائق الإيمان ما ينتمي إليه تلك العقائد من البراهين العقليّة؛ فإنّ الحقيقة ما يصير إليه حقُّ الأمر ووجوبه، كما ذكره الهرويّ في الغريبين بقوله: «قال الليث: الحقيقة ما يصير إليه حقّ الأمر ووجوبه» انتهى.
وتطلق ۱ على العقائد والبراهين الموجبة لها.
وقوله: (لا يُعرف بالقياس، ولا يدرَك بالحواسّ، ولا يُشبه بالناس) بيان لكون رؤيته بالقلب، ومعرفته بالاعتقاد اليقيني الحاصل من البراهين العقليّة اليقينيّة التي لا يتغيّر ولا يزول؛ فإنّ كلّ معرفة بالقياس ـ أي بأن يقاس على غيره ـ إنّما يكون معرفةً بصفة المخلوق؛ إذ كلّ ما يغايره مخلوق له، والمعرفة بصفة المخلوق لا تكون معرفةً للخالق؛ حيث لا مشاركة بين الوجوب المحض والإمكان الصرف، وكلّ إدراك بالحواسّ إدراك لما يصحّ انطباعه في القوى الجسمانيّة وموادّها، وكلُّ ما هذا شأنه محتاج في نحو من وجوده إلى غيره، والوجوب المحض ينافي الاحتياج إلى الغير في ذاته وفيما لا يزيد على ذاته، وينافي الموجوديّة بوجود زائد.
وقوله: «ولا يشبه بالناس» تنصيص على ردّ ما ذهب إليه بعضُ الأوهام، وتوهّم من بعض الأخبار والآثار وإن شمله الأوّلان؛ لزيادة الاهتمام بنفيه.
وقوله: (موصوف بالآيات).
«الوصف»: ذكر الشيء بما يكون له، سواء كان فيه، أو منه، أو ينتهي إليه.