۰.المعرفةُ من أن تكونَ إيمانا أو ليستْ بإيمانٍ ، فإن كانت تلك المعرفةُ من جهة الرُّؤيةِ إيمانا فالمعرفةُ التي في دارالدنيا من جهة الإكتساب ليسَتْ بإيمان ؛ لأنّها ضدُّه ، فلا يكونُ في الدنيا مؤمنٌ ؛ لأنّهم لم يَرَوُا اللّه َ عزَّ ذكره ، وإن لم تَكُنْ تلك المعرفةُ التي من جهة الرُّؤية إيمانا لم تَخْلُ هذه المعرفة التي من جهة الإكتساب أن تَزولَ ولا تزول في المعاد ؛ فهذا
وثانيهما: تعلّق الظرف بالمعرفة، وكونُ قوله: «ضرورة» خبرا، أي المعرفة الناشئة من جهة الرؤية ضرورةٌ، أي ضروريّة. والضرورة على الاحتمالين تحتمل الوجوب والبداهةَ.
وتقرير هذا الدليل: أنّه ۱ حصول المعرفة من جهة الرؤية ۲ ضروريّ (فلو جاز أن يُرى اللّه سبحانه بالعين وقعت المعرفة) من جهة الرؤية عند الرؤية (ضرورة) فتلك المعرفة (لا تخلو) من أن تكون إيمانا، أو لا تكون إيمانا، وهما باطلان؛ لأنّه إن كانت تلك المعرفة التي من جهة الرؤية إيمانا ، لم يكن ۳ المعرفة الحاصلة في الدنيا من جهة الاكتساب إيمانا؛ لأنّهما متضادّتان؛ فإنّ المعرفة الحاصلة بالاكتساب أنّه ليس بجسم، وليس في مكان، وليس بمتكمّم، ولا متكيّف ۴ ، والرؤيةَ بالعين لا تكون إلاّ بإدراك صورة متحيِّزة من شأنها الانطباعُ في مادّة جسمانيّة، والمعرفة الحاصلة من جهتها معرفة بالمرئيّ بأنّه متّصف بالصفات المدرَكة في الصورة؛ فهما متضادّتان لا تجتمعان في المطابقة للواقع، فإن كانت هذه إيمانا لم تكن تلك إيمانا، فلا يكون في الدنيا مؤمن؛ لأ نّهم لم يروا اللّه عزّ ذكره، وليس لهم المعرفة من جهة الرؤية إنمّا لهم المعرفة من جهة الاكتساب ، فلو لم تكن إيمانا لم يكن في الدنيا مؤمن . (وإن لم يكن تلك المعرفة التي من جهة الرؤية إيمانا) أي اعتقادا مطابقا للواقع يقينيّا ۵ وكان المعرفة الاكتسابيّة إيمانا (لم تخل هذه المعرفة التي من جهة
الاكتساب من أن تزول) عند المعرفة من جهة الرؤية في المعاد لتضادّهما ولا تزولُ؛ لامتناع زوال الإيمان في الآخرة.
وهذه العبارة تحتمل ثلاثةَ أوجُهٍ:
أحدها: لم تخل هذه المعرفة من الزوال عند الرؤية والمعرفة من جهتها، لتضادّهما، والزوال مُستحيل لا يقع؛ لامتناع زوال الإيمان في الآخرة.
وثانيها: لم تخل هذه المعرفة من الزوال وعدم الزوال وتكون متصّفةً بكليهما في المعاد عند وقوع الرؤية والمعرفة من جهتها؛ لامتناع اجتماع الضدّين وامتناع زوال الإيمان في المعاد، والمستلزمُ لاجتماع النقيضين مستحيل.
وثالثها: لم تخل هذه المعرفة من الزوال وعدم الزوال، ولابدّ من أحدهما، وكلّ منهما مُحال.
وأمّا بيان أنّ الإيمان لا يزول في المعاد ـ بعد الاتّفاق والإجماع عليه ـ أنّ الاعتقاد الثابت ، المطابقَ للواقع، الحاصلَ بالبرهان مع معارضة الوساوس الحاصلة في الدنيا يمتنع زوالها ۶ عند ارتفاع الوساوس والموانع. على أنّ الرؤية عند مجوِّزيها إنّما تقع للخواصّ من المؤمنين والكُمَّل منهم في الجنّة، فلو زال إيمانهم لزمَ كون غير المؤمن أعلى درجةً من المؤمن، وكونُ الأحطّ مرتبةً أكملَ من الأعلى درجةً؛ وفَساده ظاهر.
وقيل في تقرير هذا الدليل:
« ملخَّص دليله عليه السلام أنّ المعرفة من جهة الرؤية غير متوقّفة على الكسب والنظر وقويّةٌ، والمعرفةَ في دار الدنيا متوقّفة عليه ضعيفةٌ بالنسبة إلى الأُولى. فتخالفتا مثل الحرارة القويّة والحرارة الضعيفة، فإن كانت المعرفة من جهة الرؤية إيمانا، لم يكن ۷ المعرفة من جهة الكسب إيمانا كاملاً؛ لأنّ المعرفة من جهة الرؤية أكملُ منها، وإن