281
الحاشية علي اصول الكافي (النائيني)

۷.عِدَّةٌ من أصحابنا ، عن أحمدَ بن محمّد بن خالد ، عن محمّد بن عيسى ، عمّن ذَكَرَهُ قال:سُئل أبو جعفرٍ عليه السلام : أيجوزُ أن يقالَ : إنَّ اللّه شيء؟ قال: «نعم ، يُخْرِجُهُ من الحَدَّيْنِ : حَدِّ التعطيلِ وحَدِّ التشبيهِ» .

باب أنّه لا يعرف إلاّ به

۱.عليُّ بن محمّد ، عمّن ذَكَرَه ، عن أحمدَ بن محمّد بن عيسى ، عن محمّد بن حُمرانَ ، عن الفضل بن السَكَن ، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال :قال أميرالمؤمنين عليه السلام : «اعْرِفوُا اللّه َ باللّه ، والرسولَ بالرسالة ، واُولي الأمر بالأمر بالمعروفِ والعدلِ والإحسانِ» .
ومعنى قوله عليه السلام : «اعرفوا اللّه باللّه » يعني أنَّ اللّه َ خلَق الأشخاصَ والأنوارَ والجواهرَ

باب أنّه لا يُعرف إلاّ به
قوله: (اعرفوا اللّه باللّه ، والرسول بالرسالة، وأُولي الأمر بالأمر بالمعروف والعدل والإحسان).
أقول: هذا الكلام يحتمل وجوها:
أحدها: أن يكون المراد بالمعرّف به ما يُعرف الشيء به بأنّه هو هو، فمعنى «اعرفوا اللّه باللّه » أنّه اعرفوه بأنّه هو اللّه مسلوبا عنه جميعُ ما يُعرف به الخلق من الأجسام والأرواح والأعيان والألوان والأنوار، وبالجملة من الجواهر والأعراض ومشابهة شيء منها أو مماثلته، فهو هو اللّه معروفا بسلب المشابهة والمماثلة للمخلوقات. وهذا هو الذي ذكره المصنّف رحمه اللهبقوله: (ومعنى قوله: اعرفوا اللّه باللّه يعني أنّ اللّه خلق الأشخاص والأنوار).
وأمّا قوله: «والرسول بالرسالة» فمعناه أنّ معرفة الرسول بأنّه اُرسل بهذه الشريعة ، وهو مرسَل بهذه الأحكام وهذا الكتاب وهذا الدين، ومعرفة اُولي الأمر بأنّه الآمر بالمعروف والعالم العامل به و«بالعدل» أي الطريقة الوسطى ، و «الإحسان» أي الاستقامة واتّباع طريقة السابقين عليه من السالكين على الطريقة
المستقيمة. والحاصل أنّه يُعرف الإمام بأنّه الذي عُيّن لإقامة المعروف والعدل والإحسان ۱ ، وهو العالم به، القائم عليه، المقيم له.
وثانيها: أن يكون المراد بما يُعرف به ما يُعرف باستعانته من قوى النفس العاقلة والمدركة وما يكون بمنزلتها ويقوم مقامها، فمعنى «اعرفوا اللّه باللّه » أنّه اعرفوه باللّه ، أي بنور اللّه المُشرق على القلوب ولو بوساطة العقول المفارقة؛ فإنّ القوى النفسانيّة بنفسها قاصرة عن ۲ معرفته سبحانه، إنّما يُعرف بنور اللّه المُطْلِع على الأفئدة. واعرفوا الرسول بالرسالة، أي بما يُشرق على النفوس بتوسّط رسالة الرسول. واعرفوا اُولي الأمر بالمعروف، أي بالعلم بالمعروف والعدل والإحسان، وما يحصل للنفس من استكمال القوّة العقليّة بها.
وثالثها: أن يكون المراد ما يُعرف بها من الأدلّة والحجج، فمعنى «اعرفوا اللّه باللّه » أنّه اعرفوه بالمقدّمات العقليّة البرهانيّة التي هداكم اللّه إليها وأعطاكم علمها، وإن كانت قد يحتاج إلى تنبيه وهداية إليها، لا بما اُرسل به الرسول من الآيات والمعجزات، وبقول الرسل ۳ ؛ فإنّها متأخّرة المعرفة عن معرفة اللّه و«اعرفوا الرسول بالرسالة» أي بما اُرسل به من الآيات والدلائل بعد معرفته سبحانه، واعرفوا اُولي الأمر بعلمه بالمعروف وإقامة العدل والإحسان بعد معرفتكم المعروف بتوسّط معرفة اللّه ومعرفة الرسول والاطّلاع على ما جاء به.
ووجه رابع لمعرفة اللّه باللّه ، وهو أنّ جميع ما يُعرف به ينتهي إليه سبحانه ، كما ذكره الصدوق أبو جعفر بن بابويه رحمه الله في كتاب التوحيد بقوله: «الصواب في هذا الباب أن يقال: عرفنا اللّه باللّه ؛ لأنّا إن عرفناه بعقولنا فهو عز و جل واهبُها، وإن عرفناه عز و جل

1. في حاشية «ت، م»: قوله تعالى: «وَ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَـنٍ» [ التوبة (۹): ۱۰۰] أي باستقامة وسلوك للطريق الذي درج عليه السابقون؛ غريبين (منه).

2. في «خ»: «من».

3. في «خ»: «الرسول».


الحاشية علي اصول الكافي (النائيني)
280

۰.قال السائل : فيُعاني الأشياءَ بنفسه؟ قال أبو عبداللّه عليه السلام : «هو أجَلُّ من أن يُعانِيَ الأشياءَ بمُباشَرَةٍ ومُعالَجَةٍ ؛ لأنَّ ذلك صفةُ المخلوق الذي لا تجيءُ الأشياءُ له إلاّ بالمباشرة والمعالَجَة ، وهو متعالٍ نافذُ الإرادة والمشيئة ، فَعّالٌ لما يشاء» .

لا بالمعنى المصطلح عليه للكيفيّة كما يقال في سائر الألفاظ ولا بمعانيها اللغويّة أو الاصطلاحيّة؛ لأنّ الألفاظ بحسب وضعها لمعانيها ابتداءً إنّما هي لمدرَكات الأوهام والأفهام، ثمّ استعمل عند التنبّه ۱ لما يتعالى عن تلك الإدراكات وعدمِ وجدان لفظ موضوع له فيه ۲ كاستعمال الألفاظ في مجازاتها.
والمراد أنّ له كيفيّةً لاكتلك الكيفيّات المدرَكة لنا (لا يستحقّها غيره) أيلايمكن لغيره من المهيّات المغايرة للوجود، فلا يتّصف بها غيره، لا بالانفراد ولابالمشاركة.
وقوله: (ولا يحاط بها) أي لا يقع بها الإحاطة، فلا يخرج بها من قابليّة إلى فعليّة.
قوله: (قال السائل فيعاني الأشياءَ بنفسه؟)
معاناة الشيء: ملابسته ومباشرته ۳ وتحمّل التعب في فعله. والمراد أنّه إذا كان واحدا أحدا لا تركيب فيه ولا تأليف متفرّدا بالربوبيّة، إذ لا يستحقّها مصنوع، فيباشر خلقَ الأشياء وصنعَها بنفسه ويعالجها ۴ ، ويتحمّل مشقّة فعلها بذاته.
وأجاب عليه السلام عنه بـ[ أنّ]اللّه سبحانه (أجلّ من أن يعاني الأشياء بمباشرة ومعالجة؛ لأنّ ذلك) أي المعاناة بمباشرة ومعالجة (صفة المخلوق الذي لا يجيء الأشياء له) أي لا يحصل له ولا يتيسّر له فعلها؛ لعجزه وقصوره عن أن يترتّب وجود الأشياء على إرادته ومشيّته ، فلا يتأتّى له فعلها (إلاّ بالمباشرة والمعالجة، وهو سبحانه متعالٍ) عن ذلك (نافذ الإرادة والمشيّة ، فعّال لما يريد) فإذا أراد وجود شيء بأسبابه يوجد مترتّبا على وجود أسبابه، وإذا أراده لا بأسبابه العاديّة يوجد بلا أسبابه على خلاف العادة.

1. في «خ، ل»: «التنبيه».

2. قوله: «فيه» متعلّق بقوله: «استعمل».

3. في «ل»: «معاشرته».

4. في حاشية «ل»: «يصالحها».

  • نام منبع :
    الحاشية علي اصول الكافي (النائيني)
    سایر پدیدآورندگان :
    تالیف: رفيع الدين محمد بن حيدر النائيني ؛ تحقیق: محمّد حسين الدّرايتي؛ با همکاری: نعمة الله الجليلي
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1382
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 5745
صفحه از 672
پرینت  ارسال به