۰.ولا يلتفت إلى ما يحكم به الآخر» .
قال : قلت : فإنّهما عَدْلانِ مَرضيّانِ عند أصحابنا ، لا يُفضَّلُ واحدٌ منهما على الآخَرِ؟ قال : فقال : «يُنْظَرُ إلى ما كان من روايتهم عنّا في ذلك الذي حكما به المجمع عليه من أصحابك ، فيؤخَذُ به من حكمنا ، ويُترَكُ الشاذُّ الذي ليس بمشهور عند أصحابك ، فإنّ المجمَعَ عليه لا ريبَ فيه ؛ وإنّما الأُمور ثلاثةٌ : أمرٌ بَيِّنٌ رشدُه فيُتَّبَعُ ، وأمرٌ بَيِّنٌ غَيُّهُ
وظاهر هذه العبارة الحكم بترجيح حكم الراجح في هذه الصفات ۱ جميعها . ويحتمل الترجيح بحسب الرجحان في واحدة منها ۲ أيَّها كانت .
وعلى الأوّل يكون حكم الرجحان بحسب بعضها دون بعض مسكوتا عنه .
وعلى الثاني يكون حكم تعارض الرجحان في بعض منها للرجحان في بعضٍ آخَرَ مسكوتا عنه .
والاستدلال على الأولويّة والرجحان بالترتيب الذكري ضعيف . والمراد أنّ الحكم الذي يجب قبوله من الحكمين المذكورين حكم الموصوفِ بما ذكر من الصفات الأربع، ويفهم منه وجوب اختياره لأن يتحاكم إليه ابتداءً، وأنّ ترجيح الأفضل لازم في الصور المسكوت عنها. ومن هاهنا ابتدأ في الوجوه المعتبرة للترجيح في القول والفتيا .
قوله: (قال: قلت: فإنّهما عدلان مرضيّان ...) أي فإنّ الراويين لحديثكم العارفَيْن بأحكامكم عدلان مرضيّان، لا يُفضّل واحد منهما على صاحبه في شيء من الصفات المذكورة، فإذا كان كذلك فبحكم أيّهما يؤخذ؟
وأجاب عليه السلام وبيّن له وجها آخَرَ للترجيح بقوله: (ينظر إلى ما كان من روايتهم عنّا في ذلك الذي حكما به المجمع عليه من أصحابك) أي المشهور روايته بين أصحابك (فيؤخذ) بأشهرهما روايةً . (ويترك الشاذّ الذي ليس بمشهور عند أصحابك فإنّ المجمع عليه) أي المشهور في الرواية (لا ريب فيه).