۰.سائر الصُوَرِ المختلفة ، فأضافَها إلى نفسه ، كما أضافَ الكعبةَ إلى نفسه ، والروحَ إلى نفسه ، فقال : بيتي ، ونفخت فيه من روحي .
باب جوامع التوحيد
۱.محمّد بن أبي عبد اللّه ومحمّد بن يحيى جميعا ، رَفَعاه إلى أبي عبد اللّه عليه السلام :«أنَّ أميرَ المؤمنين عليه السلام اسْتَنْهَضَ الناسَ في حَرْبِ معاويةَ في المرَّة الثانية ، فلمّا حَشَدَ الناسُ قامَ خطيبا ، فقال :
الحمد للّه الواحدِ الأحدِ الصمدِ المتفرّدِ الذي لا من شيء كانَ ، ولا من شيء خَلَقَ ما كانَ ، قدرةٌ بانَ بها من الأشياء وبانت الأشياء منه ، فليسَتْ له صفةٌ تُنالُ ، ولا حَدٌّ تُضرَبُ له
باب جوامع التوحيد
قد أورد في هذا الباب من خُطب أمير المؤمنين عليه السلام ما فيه كفايةٌ لمعرفته سبحانه والعلم بما يتعلّق بالتوحيد بما لا مزيد عليه لعقول الناس.
قوله: (لا من شيء كان ولا من شيء خلق ما كان) أي ليس وجوده مبتدأ من شيء فيكونَ مسبوقا به، محدَثا، فلا يكونَ مبدأً، ولا خلقُه وإيجاده من شيء، فيكونَ شيء مغاير لذاته غيرَ مخلوق له، ومبدأً لما يخلقه، فيكونَ غيرُه شريكا له في المبدئيّة.
وقوله: (قدرةٌ بان بها من الأشياء) أي له قدرة بان بهذه القدرة من الأشياء، فلا يحتاج أن يكون الصدور والحدوث عنه في مادّة بأن يؤثّر في مادّة، فينقلَها من حالة إلى حالة كغيره سبحانه؛ فإنّ التأثير من غيره لا يكون إلاّ في مادّة، فبان سبحانه بهذه القدرة من الأشياء، فيكون تأثيره لا في مادّة، بل إيجادا ۱ لا من شيء بأمر «كن» .
(وبانت الأشياء منه سبحانه) بعجزها عن التأثير لا في مادّة (فليست له صفة تُنال) لأنّ ما يُنال لا يكون إلاّ مهيّةً ممكنةً يصحّ عليها الوجود المفارق عن العينيّة،
وهو سبحانه أجلُّ من أن يستكمل بغيره، وليس له حدّ يُضرب ۲ فيه الأمثالُ، حيث لا مماثلة بينه وبين المدرَكات بالعقول والمشاعر. كَلَّ وعجز عند وصفه سبحانه تحبير اللغات والإتيان به على ما يليق به وينبغي له.
وتحبير الخطّ والشعر وغيرهما ـ بالحاء غير المعجمة ـ : تحسينه. ويحتمل أن يكون «تخبير اللغات» بالخاء المعجمة بمعنى الإخبار والبيان، فلا يقدر تحبير اللغات وتحسينها، أو بيانُ اللغات وإخبارها على وصفه سبحانه؛ و ذلك لأنّ اللغاتِ تدلّ على معانٍ مدرَكة بالأذهان ووضعت لها، وهو سبحانه متعالٍ عن أن يتّصف بمدرَكات الأذهان؛ لصمديّته سبحانه واستحالة استكماله بما يغايره.
وضلّ وانقطع في صفاته سبحانه تغيّرات الصفات المغايرة ۳ المدرَكة لأذهاننا وحار ولم يهتد بسبيله الأفكار العميقة، وانقطع قبل الوصول إلى الرسوخ في علمه، أي في معلومه بما هو معلوم، أو في العلم به سبحانه ومعرفته، أو في إبانة حقيقة علمه بالأشياء التفاسيرُ الجامعة. وحال قبل الوصول إلى غيبه المكنون المخزون عنده سبحانه حُجُبٌ من الغيوب المستورة عن إدراك المشاعر والأوهام، تاهت وضلّت في أدنى وأقربِ أدانيها وما يقرب منها العقول الرافعة أبصارها للنظر في لطيفات الاُمور ودقائقها ، فتبارك وتقدّس الذي لا يبلغه بُعد الهمم العالية الطالبة لأعلى وأبعدِ ما من شأنها الوصول إليه ، ولا يناله غوص الفطن الغائصة في دقائق الاُمور التي لها اقتناصها، وتعالى الذي ليس له وقت معدود ولا أجل ممدود لتعاليه عن إحاطة الزمان، وصرف الدهور، ولا نعت محدود لتعاليه عن الإحاطة والتقييد بالتعيّنات المادّيّة والتحصّلات الصوريّة العينيّة والعقلانيّة، سبحان الذي ليس له أوّل مبتدأ منه وجوده، أو غاية وامتداد له منتهى في طرف؛ لتعاليه عن الزمان والزمانيّات، ولا آخِرٌ يفنى بعده.