۰.يُخْبِرُك أنّه غَمَضَ فيه العقلُ وفاتَ الطلبُ وعادَ مَتَعَمِّقا مُتَطَلِّفا لا يُدرِكُه الوهمُ ، فكذلك لَطُفَ اللّه ـ تبارَك وتعالى ـ عن أن يُدْرَكَ بحدٍّ ، أو يُحَدَّ بوصفٍ ، واللطافةُ منّا الصِغَرُ والقلّةُ ، فقد جَمَعْنا الاسمَ واخْتَلَفَ المعنى.
وأمّا الخبير ، فالّذي لا يَعزُبُ عنه شيءٌ ولا يَفوتُه ليس للتجربة ولا للاعتبار بالأشياء ، فعند التجربة والاعتبارِ عِلْمانِ ، ولولاهما ما عُلِمَ ؛ لأنَّ من كانَ كذلك كانَ جاهلاً ، واللّه ُ لم يَزَلْ خبيرا بما يَخْلُقُ ، والخبير من الناس المستخبِرُ عن جَهْلٍ المتعلِّمُ ، فقد جَمَعنا الاسمَ واختَلَفَ المعنى .
وقول القائل: لطف فلان في مذهبه (يخبرك) وتفهم منه (أنّه غمض فيه العقل) واُحيط به فلا يحيط به ويعجز عن طلبه وتحصيل العلم به ، (و) لو طلبه (فات الطلب) أي سبق الطلب وذهب عنه (فكذلك) أي بهذا المعنى ومثل هذا الإطلاق والاستعمال اُطلق عليه سبحانه اللطيفُ و (لطف اللّه تبارك وتعالى عن أن يدرك بحدّ) الحقيقة (أو يحدّ) ويعرف (بوصف واللطافة منّا ۱ ) مستعملة في معناها الحقيقي ، أي (الصغر والقلّة) فاللفظ واحد، والمعنى مختلف.
قوله: (وأمّا الخبير فالذي لا يعزب عنه شيء...) أي العالم الذي لا يعزب عنه شيء ولا يفوته شيء علما غير مستند إلى التجربة أو إلى الاعتبار والنظر، وما يجري مجراهما في ترتّب العلم على حصوله للعالم بعد ما لم يكن بذاته عالما، ولولا ما بحصوله العلمُ، لما علم؛ لأنّ من كان كذلك كان جاهلاً فيما لا بداية له من جانب الأزل، ولا أقلَّ من كونه جاهلاً في ذاته، خاليا عن العلم في تلك المرتبة، واللّه سبحانه خبير أزلاً بجميع ما يخلقه؛ لكونه علّة له، عالما بذاته لذاته لا بعلم زائد كما اُشير إليه سابقا، فلا يكون في ذاته خاليا عن العلم، وعالما لحصول غيره له ممّا ليس له بذاته، فهكذا كونه سبحانه خبيرا.
وأمّا الخبير من الناس فهو المستخبر استخبارا ينشأ عن جهل المتعلّم جهلاً