۰.فالبصر ، فانّه يُدرِكُ الأشياءَ بلا مماسّةٍ ولا مداخَلَةٍ في حيّز غيره ولا في حيّزه ؛ وإدراكُ البصر له سبيلٌ وسببٌ ، فسبيلُه الهواءُ وسببُه الضياءُ ، فإذا كانَ السبيلُ متّصلاً بينَه وبين المرئيّ ، والسبب قائم ، أدْرَكَ ما يُلاقي من الألوان والأشخاصِ ، فإذا حُمِلَ البصرُ على ما لا سبيلَ له فيه رَجَعَ راجعا ، فحكى ما وراءَه كالناظر في المرآة لا يَنْفُذُ بصرُه في المرآة ، فإذا
(وأمّا الإدراك بالمماسّة) أي بمماسّة حقيقة المدرَك (فمعرفة الأشكال) وهيئة إحاطة الحدود (من التربيع والتثليث) وأمثالهما (ومعرفة اللين والخشن) أي الخشونة (والحرّ والبرد).
(وأمّا الإدراك بلا مماسّة ولا مداخلةٍ ۱ فالبصر) أي الإبصار، أو إدراك البصر (فإنّه) أي البصر (يدرك الأشياء بلا مماسّة ولا مداخلة) بين حقيقة المبصَر، والبصر، لا في حيّز غير البصر، ولا في حيّز البصر. ولا ينافي ذلك كونُ الإبصار بتوسّط الشعاع ۲ وانطباع شبح المبصر في محلّ قوّة الإبصار.
وأمّا القسمان الأوّلان فلا شبهة في استحالتهما في الأوّل سبحانه.
وأمّا الثالث فمستحيل أيضا فيه سبحانه؛ لأنّ (إدراك البصر، له سبيل وسبب) لابدّ له منهما، (فسبيله الهواء) أي الفضاء الخالي عمّا يمنع من نفوذ الغير حتّى الشعاع ، (وسببه الضياء) يتحدّس باستحالته بدونهما، فإذا كان السبيل متّصلاً بينهما ولا يكون بينهما حاجب حال كون السبب الذي هو الضياء الحاصل للمرئيّ قائما أدرك البصر ما يلاقيه بالانطباع ۳ والشعاع أو بهما من الألوان والأشخاص من الأجسام والأشباح، فإذا حمل البصر على ما لا سبيل له فيه، وكلّف الرؤية ، رجع راجعا فلا يحكي ما كلّف رؤيته ، بل يكون حاكيا ما وراءه على أنّه المواجه المتوجّه إليه ، كالناظر في المرآة لا ينفذ بصره في المرآة؛ فإنّه إذا لم يكن لبصره سبيل رجع راجعا عمّا كلّف رؤيته، ولا سبيل إليه فيحكي حينئذٍ ما وراءه على أنّه المواجه