۰.فردانيّا ، لا خَلْقُه فيه ، ولا هو في خلقه ، غيرُ محسوسٍ ولا مَجْسوس ، لا تُدْرِكُه الأبصارُ ، عَلا فَقَرُبَ ، ودَنا فَبَعُدَ ، وُعصِيَ فغَفَرَ ، واُطيعَ فشَكَرَ ، لا تَحْويه أرضُهُ ولا تُقِلُّه سماواتُه ،
عنه، وجميعُ أحوال الأشياء المنفيّة عنه ممّا يلزمها الإمكان، فمن جهل الأشياء ، وعرفه بأنّه منفيّ عنه صفاتُ الممكن وشبهها، كان عارفا به غايةَ العرفان؛ حيث لا سبيل إلى معرفة حقيقته إلاّ بسلب شبه الممكنات عنه، ولا ينافيها الجهلُ بمهيّات الممكنات وأوصافها المخصوصة بها.
وقوله: (فردانيا) لا يقارنه خلقه لا مقارنةَ الحالّيّة فيه، أو الدخول فيه كما قال: (لا خَلْقه فيه) ولا مقارنةَ المحلّيّة له، أو المكانيّة، كما قال: (ولا هو في خَلْقه) . ويشعر هذا إلى ترتّب «لم يلد ولم يولد» على الصمد، والمعنى: لا خلْقه فيه فيلدَ خلْقَه، ولا هو في خلقه فيولَدَ من خلقه.
قوله: (غير محسوس ولا محسوس) ۱ أي غير متصوَّر فيه المدرَكيّةُ بالحواسّ الخمس، والممسوسيّةُ ۲ باليد.
(ولا يدركه ۳ الأبصار) أي لا صورة له بوجه من الوجوه فيدرَكَ بالأبصار.
قوله: (علا فقرب، ودنا فبعد) أي عُلم بأعلى مراتب المهيّات في الوجود، «فقرب» منها؛ لمعرفتها به بحسب تلك المراتب، وذلك لاتّحاد المهيّات ۴ بحسب مرتبتها بالعقل، كما قال الفيلسوف: العقل هو الأشياء كلُّها.
1. في الكافي المطبوع: «ولا مجسوس».
2. في «ل»: «المحسوسيّة».
3. في الكافي المطبوع : «ولا تدركه» .
4. في حاشية «ت»: أي المهيّات كلّها، سواء كانت مجرّدة أو مادّية. والمادّيّات يكون لها جهتان: جهة التجرّد وجهة المادّيّة، واتّحادها بالعقل باعتبار التجرّد، وجهة التجرّد في المادّيّات كلّيّاتها . وجهة المادّية فيها أفرادها وأشخاصها. والمقصود من ذكر قوله: «وذلك لاتّحاد...» دفع توهّم أنّ العلم والمعرفة من أحوال الموجودات العينية، وجهة التجرّد التي يكون المادّيّ بحسبها متّحدا بالعقل تكون كلّيّةً، والكلّي لا يكون موجودا عينيا. فإذا بيّن أنّ المادّي بتلك الجهة يكون متّحدا بالعقل، والعقل موجود خارجي، يندفع هذا التوهّم، وأمّا بيان كيفيّة اتّحادها بالعقل وتصوّرها، من غوامض الحكمة ومشكلاتها، لا يكون مقصودا في هذا المقام.