311
الحاشية علي اصول الكافي (النائيني)

۰.حاملُ الأشياء بقُدرتهِ ، دَيْمومِيٌّ أزليٌّ ، لا يَنسى ولا يَلهو ، ولا يَغلَطُ ولا يَلعَبُ ، ولا لإرادته فَصلٌ ، وفَصْلُه جزاءٌ ، وأمرُه واقعٌ ، لم يَلِدْ فيورثَ ، ولم يولَدْ فيُشارَكَ ،

«ودنا» أي علم بمرتبتها الدنيا التي هي بحسب مادّيتها وجسمانيّتها، «فبعد» عنها؛ لعدم معرفتها بحسب تلك المرتبة به.
وقوله: (وعُصِي ۱ فغفر) أي عُصي لقلّة المعرفة به «فغفر» لعلمه سبحانه بحال العاصي. وهذا ناظر إلى قوله: «دنا فبعد».
وقوله: (وأُطيع فشكر) أي اُطيع؛ للمعرفة به، فشكر وأثاب وأعطى؛ لعلمه سبحانه بإطاعته وحسن الإنابة عليها. وهذا ناظر إلى قوله: «علا فقرب».
والمقصود أنّ الارتباط بين خلقه وبينه سبحانه ليس بدخوله في خلقه، أو بدخول خلقه فيه، أو بالمشاركة في المحسوسيّة ، أو المجسوسيّة ۲ ، أو بكونه ذا صورة مدرَكة بالأبصار كما في خلقه، بل الارتباط بعالميّته بالكلّ ومعروفيّتِه لبعض دون بعض (و ۳ لا تحويه أرضه) أي السِفْليُّ من خلقه (ولا تُقلّه) وتحمله (سماؤه) ۴
أي العِلْويُّ من خلقه. والمراد أنّه ليس الارتباط بينه وبين خلقه باتّصاله بالخلق من جهة السِفْل ، فتحويَه أرضه، ولا باتّصاله بالخلق من جهة العِلْو، فتُقِلَّه وتحملَه سماؤه، بل ارتباطه بالخلق بأنّه (حامل الأشياء) ومعطي وجودها ومُبقيها (بقدرته).
قوله: (ديموميّ أزلي).
ابتداءُ بيانٍ لخلاصة مُفاد السورة على نحوٍ يشتمل على إفادة ما لم ينبَّه عليه سابقا.
«ديموميّ» : منسوب إلى ديمومة، مصدرِ: دامَ يدومُ دواما. وديمومة، أي منسوب إلى الدوام، فهو دائم أزليّ، أي لا ابتداء لوجوده. وهذا ناظر إلى أنّه أحد لا يغاير وجودُه حقيقتَه.
وقوله: (لا ينسى ولا يلهو، ولا يغلط ولا يلعب، ولا لإرادته فصل) ناظر إلى

1. في «ل»: «فعصي».

2. في «ل»: - «المجسوسيّة».

3. في الكافي المطبوع: - «و».

4. في الكافي المطبوع: «سماواته».


الحاشية علي اصول الكافي (النائيني)
310

۰.فردانيّا ، لا خَلْقُه فيه ، ولا هو في خلقه ، غيرُ محسوسٍ ولا مَجْسوس ، لا تُدْرِكُه الأبصارُ ، عَلا فَقَرُبَ ، ودَنا فَبَعُدَ ، وُعصِيَ فغَفَرَ ، واُطيعَ فشَكَرَ ، لا تَحْويه أرضُهُ ولا تُقِلُّه سماواتُه ،

عنه، وجميعُ أحوال الأشياء المنفيّة عنه ممّا يلزمها الإمكان، فمن جهل الأشياء ، وعرفه بأنّه منفيّ عنه صفاتُ الممكن وشبهها، كان عارفا به غايةَ العرفان؛ حيث لا سبيل إلى معرفة حقيقته إلاّ بسلب شبه الممكنات عنه، ولا ينافيها الجهلُ بمهيّات الممكنات وأوصافها المخصوصة بها.
وقوله: (فردانيا) لا يقارنه خلقه لا مقارنةَ الحالّيّة فيه، أو الدخول فيه كما قال: (لا خَلْقه فيه) ولا مقارنةَ المحلّيّة له، أو المكانيّة، كما قال: (ولا هو في خَلْقه) . ويشعر هذا إلى ترتّب «لم يلد ولم يولد» على الصمد، والمعنى: لا خلْقه فيه فيلدَ خلْقَه، ولا هو في خلقه فيولَدَ من خلقه.
قوله: (غير محسوس ولا محسوس) ۱ أي غير متصوَّر فيه المدرَكيّةُ بالحواسّ الخمس، والممسوسيّةُ ۲ باليد.
(ولا يدركه ۳ الأبصار) أي لا صورة له بوجه من الوجوه فيدرَكَ بالأبصار.
قوله: (علا فقرب، ودنا فبعد) أي عُلم بأعلى مراتب المهيّات في الوجود، «فقرب» منها؛ لمعرفتها به بحسب تلك المراتب، وذلك لاتّحاد المهيّات ۴ بحسب مرتبتها بالعقل، كما قال الفيلسوف: العقل هو الأشياء كلُّها.

1. في الكافي المطبوع: «ولا مجسوس».

2. في «ل»: «المحسوسيّة».

3. في الكافي المطبوع : «ولا تدركه» .

4. في حاشية «ت»: أي المهيّات كلّها، سواء كانت مجرّدة أو مادّية. والمادّيّات يكون لها جهتان: جهة التجرّد وجهة المادّيّة، واتّحادها بالعقل باعتبار التجرّد، وجهة التجرّد في المادّيّات كلّيّاتها . وجهة المادّية فيها أفرادها وأشخاصها. والمقصود من ذكر قوله: «وذلك لاتّحاد...» دفع توهّم أنّ العلم والمعرفة من أحوال الموجودات العينية، وجهة التجرّد التي يكون المادّيّ بحسبها متّحدا بالعقل تكون كلّيّةً، والكلّي لا يكون موجودا عينيا. فإذا بيّن أنّ المادّي بتلك الجهة يكون متّحدا بالعقل، والعقل موجود خارجي، يندفع هذا التوهّم، وأمّا بيان كيفيّة اتّحادها بالعقل وتصوّرها، من غوامض الحكمة ومشكلاتها، لا يكون مقصودا في هذا المقام.

  • نام منبع :
    الحاشية علي اصول الكافي (النائيني)
    سایر پدیدآورندگان :
    تالیف: رفيع الدين محمد بن حيدر النائيني ؛ تحقیق: محمّد حسين الدّرايتي؛ با همکاری: نعمة الله الجليلي
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1382
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 6144
صفحه از 672
پرینت  ارسال به