۰.قال هشام : فكان من سؤال الزنديق أن قال : فما الدليلُ عليه؟ فقال أبو عبداللّه عليه السلام : «وجودُ الأفاعيل دَلَّتْ على أنَّ صانعا صَنَعَها ، ألاترى أنّك إذا نظرتَ إلى بناءٍ مُشَيَّدٍ مَبْنِيٍّ ، علمتَ أنّ له بانيا ، وإن كنتَ لم تَرَ البانِيَ ولم تُشاهِدْهُ» . قال : فما هو ؟ قال : «شيءٌ
قوله: (فما الدليل عليه؟).
لمّا بيّن عليه السلام أنّه لا يجوز تعدّد المبدأ الأوّل للعالَم، سأله السائل من الدليل على أنّ للعالم مبدأً، فأجابه عليه السلام بأنّ وجود الأفاعيل المحكمة المتقنة المتّسقة المنتظمة تدلّ على وجود صانع لها، ونبّه عليه السلام عليه بأنّك (إذا نظرت إلى بناء مشيّد) أي مطوّل أو مستحكم .
ولمّا كان البناء يستعمل لغير المبنيّ، أردفه بقول: «مبني» فإنّ الناظر إلى البناء المطوّل المستحكم العالي يعلم أنّ له بانيا ، وإن لم ير الباني ولم يشاهده .
قوله: (قال: فما هو؟ قال: شيء بخلاف الأشياء...).
السؤال عن حقيقته بالكنه، أو بوجه يتماز به عن جميع ما عداه . والجواب بيان الوجه الذي به الامتياز وهو وجه سلبي، أي كونُه غيرَ متّصف بصفات الحقائق المعلولة ومهيّاتها أصلاً، أو على نحو اتّصاف المعلولات بها، بل مخالفا إيّاها حتّى في الشيئيّة؛ فإنّ الشيئيّة لا يمكن انتزاعها منه انتزاعا يتجرّد عن الشيئيّة ۱ ولو في اللحاظ العقلي، بخلاف المهيّات المعلولة، فإنّها كما تصير في اللحاظ العقلي مجرّدة عن الوجود، وتُعقل غيرَ مخلوطة به، كذا تَجَرَّدُ ۲ في اللحاظ العقلي عن الشيئية، وتُعقل غيرَ مخلوطة به، فهو كما هو موجود بذاته، شيء بذاته، وهي كما أنّ وجودها بغيرها، شيئيّتُها بغيرها، ومطابقة الجواب على تقدير السؤال عن الكنه بأنّه جواب باستحالة المعرفة بالكنه، إنّما المتصوّر المعرفة بالوجه السلبي المميّز عن جميع الممكنات .