169
الحاشية علي اصول الكافي (النائيني)

۰.ذوكَآبَةٍ وحَزَنٍ وسَهَرٍ ، قد تَحَنَّكَ في بُرْنُسِهِ ، وقام الليل في حِنْدِسِه ، يَعمَلُ ويَخْشى

ولمّا ذكر حال هذا الصنف وفعلَه، بَيَّن ما يترتّب على فعله بقوله: (فأعمى ۱ اللّه على هذا) أي من أجل فعله هذا (خبره) ـ بكسر الخاء المعجمة وسكون الباء الموحّدة ـ أي علمه، فلا يميّز بين طريق الحقّ والباطل، ولا يختار الحقّ، ولا يهتدي إليه، ولا يترتّب على علمه ما هو من آثار العلم وفوائده .
(وقطع من آثار العلماء) وما يبقى بعدهم ويذكرون به في القرون الآتية (أثره) أي ما يبقى بعده من آثار علمه، فلا يُذكر به، فجزى اللّه كلّ صنف من الصنفين المذكورين بمقابل مقصودهم وفعلهم في الدنيا.
فالصنف الأوّل لمّا كان المقصود في طلبه تقويةَ جهله وسَفَهه حتّى يؤذي ويماري وينغِّص ۲ العيش على طلبة العلم، ويحصّل العزّ لنفسه، جزاه اللّه سبحانه في الدنيا بإذلاله وإبطال أمره وتنغيص ۳ العيش عليه .
والصنف الثاني لمّا كان مقصوده الاستطالةَ بالفعل وخدعَ أهل الدنيا من الأغنياء، فغَشَّ العلماء و استطال على من لا فضل له عليه من طلبة العلم، وتواضع للأغنياء ليصير محبوبا عندهم، ويشتهر بين الناس بالفضل، جزاه اللّه سبحانه بإزالة نور الفهم عنه، فلا يهتدي بعلمه، ويكون ما حصّله للفضل لا يزيده إلاّ نقصا، ويقطع أثره من آثار العلماء، فلا يبقى له شهرةً ولا ذكرا .
قوله: (وصاحب الفقه والعقل ذو كآبة وحزن وسهر) أي الذي يطلب العلم للفقه والعقل ، وفيه إشارة إلى أنّ من طلب العلم لأن يكون فقيها، وليكون آلة للعقل،
مقوّيا له، كان له بحصوله ما أراده من الفقاهة وقوّة العقل، وذلك بخلاف الصنفين الآخرين؛ فإنّهما لم يزيدا ۴ بطلب العلم إلاّ ما طلباه له من الجهل والمِراء والاستطالة والخَتْل، ولقد عبّر عنهما بصاحب الجهل وصاحب الاستطالة والختل .
و«الكآبة» ـ بفتح الكاف ـ : انكسار النفس من شدّة الحزن والهمّ .
و«الحزن»: الهمّ ۵ ووجع القلب على فوات الفائت أو عدم حصول متوقّع الحصول .
قوله: (قد تحنّك في برنسه وقام الليل في حندسه).
«التحنّك» : إدارة العمامة تحت الحنك ، أو المراد به الانقياد والمتابعة .
و«البرنس» ـ بالباء الموحّدة المضمومة والراء المهملة الساكنة والنون المضمومة والسين المهملة ـ : قلنسوة طويلة كان يلبسها النُسّاك والعُبّاد في صدر الإسلام. كذا ذكر الجوهري . ۶
و«الحندس» ـ بالحاء المهملة المكسورة والنون الساكنة والدال المكسورة والسين المهملتين ـ : الليل المظلِم ، أو ظلمةُ الليل، والمعنى كونه متحنّكا متهيّئا للاشتغال بالعبادة عند لبس البرنس، وكأنّه كان ممّا يُلبس عند الفراغ من الاشتغال بالمكاسب ۷ والمعاملات الدنيويّة وترك معاشرة الناس، وفي الخلوات، أو منقادا للأوامر والنواهي الشرعيّة في الخلوات، وكونه مشتغلاً بالعبادة في ليلته المظلمة، أو في ظلمة ليله .
وقوله: (يعمل ويخشى) أي يعمل بما كلّف به، ويخشى اللّه مع كونه عاملاً، ويخاف أن لا يكون عمله على خلوصٍ يليق بعبادته، أو أن لا يديمه له

1. في حاشية «م» : قوله عليه السلام : «فأعمى اللّه على هذا» دعاء منه على هذا الصنف، وهو من قبيل قوله تعالى: «فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ الْأَمنبَآءُ»[ القصص (۲۸) : ۶۶ ] ... والتعبير بأعمى لما فيه مع الظلمة من النقص الكامل الحاصل من العمى ... أي: أعمى اللّه تعالى على هذا الطالب خبره، وهو عبارة عن قطع خبره بهلاكه . ويحتمل أن يكون المعنى: أعمى اللّه تعالى خبره لأجل هذا الفعل الذي يفعله .

2. في «خ» : «ينقّص» .

3. في «خ» : «تنقيص» .

4. في «خ ، ل» : «لم يريدا» .

5. في حاشية «م» : تذكر الحزن إمّا من قبيل عطف الخاصّ على العامّ، أو السبب على المسبّب .

6. الصحاح، ج ۳، ص ۹۰۸ (برنس) .

7. في «خ» : «في المكاسب» .


الحاشية علي اصول الكافي (النائيني)
168

۰.يَستطيلُ على مِثْله من أشباهِهِ ، ويَتواضَعُ للأغنياء من دونه ، فهو لحلوائهم هاضِمٌ ، ولدينه حاطِمٌ ، فأعمى اللّه ُ على هذا خَبَرَه ، وقَطَعَ من آثار العلماء أثرَه ، وصاحبُ الفقهِ والعقلِ

وقوله: (يستطيل على مثله من أشباهه، ويتواضع للأغنياء من دونه) تفصيل لبيان خِبّه ومَلَقه؛ فإنّ خباثته ۱ وغشّه باستطالته على مثله ومَن يساويه في المرتبة والعزّ من أشباهه، وهم أهل العلم وطَلَبَته وكذا خداعه بفعله هذا وإن كان خداعا لغير أهل العلم ومَلَقَه بالنسبة إلى الأغنياء ومعهم بتواضعه للأغنياء «من دونه» أي من غيره يعني من غير صنفه وجنسه، وهم طلبة العلم، أو من دونه، أي ممّن هو دونه ومَن هو خسيس، أو ضعيفٌ بالنسبة إليه.
وقوله: (فهو لحلوانهم هاضم ولدينه حاطم).
الحلوان ـ بضمّ الحاء المهملة وسكون اللام ـ : اُجرة الدلاّل والكاهن وما أعطى من نحو رشوة . والمراد به هاهنا ما يعطيه الأغنياء، فكأنّه أجر ۲ ما يتّخذ من الحلاوة من الأطعمة اللذيذة .
والهضم في الأصل: الكسر، ثمّ استعمل في تصرّف الطبيعة في الطعام والغِذاء بكسره وإزالة صورته كسرا و إزالة يستعدّ ۳ به لأن يصير ۴ جزءا من المغتذي، ويترتّب عليه الغرض المطلوب منه فتُصيّره جزءا صالحا من الأعضاء، فيتقوّى به، وينتفع .
والحطم: هو الكسر المؤدّي إلى الفساد، وخروج الشيء عن أن يترتّب عليه الغرض المطلوب منه.

1. في «خ ، ل» : «خباءته» .

2. في «خ» : «أُجرة» .لما يفعله بالنسبة إليهم ولهم، أو رشوة على ما يتوقّع منه بالنسبة إليهم . وفي بعض النسخ «فهو لحلوائهم هاضم» والحلواء في حاشية «م» : في ذكر الحلواء المتعلّقة بما يؤكل على وجه الميل الزائد... هي شهوة البطن والهضم كناية عن أكله برغبته وميل زائد و اشتهاء كاشتهاء من يهضم كلّ ما يأكله .

3. في «ل» : «تستعدّ» .

4. في «خ» : «تصير جزءا» .

  • نام منبع :
    الحاشية علي اصول الكافي (النائيني)
    سایر پدیدآورندگان :
    تالیف: رفيع الدين محمد بن حيدر النائيني ؛ تحقیق: محمّد حسين الدّرايتي؛ با همکاری: نعمة الله الجليلي
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1382
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 6288
صفحه از 672
پرینت  ارسال به