راجع : ج۲ ص۲۸۲ (الحثّ على الاهتمام بالآخرة) .
۲ / ۵
النَّهيُ عَن سَبِّ الدُّنيا وذَمِّها
۱۸۵.رسول اللّه صلى الله عليه و آله :لا تَسُبُّوا الدُّنيا ؛ فَنِعمَت مَطِيَّةُ المُؤمِنِ ، فَعَلَيها يَبلُغُ الخَيرَ ، وبِها يَنجو مِنَ الشَّرِّ . إنَّهُ إذا قالَ العَبدُ : لَعَنَ اللّهُ الدُّنيا ، قالَتِ الدُّنيا : لَعَنَ اللّهُ أعصانا لِرَبِّهِ . ۱
۱۸۶.عنه صلى الله عليه و آله :مَن قالَ : قَبَّحَ اللّهُ الدُّنيا ، قالَتِ الدُّنيا : قَبَّحَ اللّهُ أعصانا لَهُ . ۲
۱۸۷.عنه صلى الله عليه و آله :نِعمَتِ الدّارُ الدُّنيا لِمَن تَزَوَّدَ مِنها لاِآخِرَتِهِ حَتّى يُرضِيَ رَبَّهُ ، وبِئسَتِ الدّارُ لِمَن صَدَّتهُ عَن آخِرَتِهِ وقَصُرَت بِهِ عَن رِضاءِ رَبِّهِ ، وإذا قالَ العَبدُ : قَبَّحَ اللّهُ الدُّنيا ، قالَتِ الدُّنيا : قَبَّحَ اللّهُ أعصانا لِرَبِّهِ . ۳
۱۸۸.تحف العقول عن جابر بن عبد اللّه الأنصاري :كُنّا مَعَ أميرِ المُؤمِنين عليه السلام بِالبَصرَة فَلَمّا فَرَغَ مِن قِتالِ مَن قاتَلَهُ أشرَفَ عَلَينا مِن آخِرِ اللَّيلِ ، فَقالَ : ما أنتُم فيهِ؟ فَقُلنا : في ذَمِّ الدُّنيا . فَقالَ : عَلامَ تَذُمُّ الدُّنيا يا جابِر؟! ثُمَّ حَمِدَ اللّهَ وأثنى عَلَيهِ ، وقالَ :
أمّا بَعدُ ، فَما بالُ أقوامٍ يَذُمّونَ الدُّنيَا ، انتَحَلُوا الزُّهدَ فيها؟ الدُّنيا مَنزِلُ صِدقٍ لِمَن صَدَقَها ، ومَسكَنُ عافِيَةٍ لِمَن فَهِمَ عَنها ، ودارُ غِنىً لِمَن تَزَوَّدَ مِنها ، مَسجِدُ
أنبِياءِ اللّهِ ، ومَهبِطُ وَحيِهِ ، ومُصَلّى مَلائِكَتِهِ ، ومَسكَنُ أحِبّائِهِ ، ومَتجَرُ أولِيائِهِ ؛ اكتَسَبوا فيهَا الرَّحمَةَ ، ورَبِحوا مِنهَا الجَنَّةَ ، فَمَن ذا يَذُمُّ الدُّنيا يا جابِر؟ وقَد آذَنَت بِبَينِها ۴ ، ونادَت بِانقِطاعِها ، ونَعَت نَفسَها بِالزَّوالِ ، ومَثَّلَت بِبِلائِها البَلاءَ ، وشَوَّقَت بِسُرورِها إلَى السُّرورِ ، وراحَت ۵ بِفَجيعَةٍ ، وَابتَكَرَت ۶ بِنِعمَةٍ وعافِيَةٍ ؛ تَرهيبا وتَرغيبا ، يَذُمُّها قَومٌ عِندَ النَّدامَةِ ، خَدَمَتهُم جَميعا فَصَدَّقَتهُم ، وذَكَّرَتهُم فَذَكَروا ، ووَعَظَتهُم فَاتَّعَظوا ، وخَوَّفَتهُم فَخافوا ، وشَوَّقَتهُم فَاشتاقوا .
فَأَيُّهَا الذّامُّ لِلدُّنيَا المُغتَرُّ بِغُرورِها ، مَتَى استَذَمَّت إلَيكَ ؟ بَل مَتى غَرَّتكَ بِنَفسِها؟ بِمَصارِعِ آبائِكَ مِنَ البِلى؟ أم بِمَضاجِعِ اُمَّهاتِكِ مِنَ الثَّرى؟ كَم مَرَّضتَ ۷ بِيَدَيكَ ، وعَلَّلتَ ۸ بِكَفَّيكَ؟ تَستَوصِفُ لَهُمُ الدَّواءَ ، وتَطلُبُ لَهُمُ الأَطِبّاءَ ، لَم تُدرِك فيهِ طَلِبَتَكَ ، ولَم تُسعَف ۹ فيهِ بِحاجَتِكَ ، بَل مَثَّلَتِ الدُّنيا بِهِ نَفسَكَ ، وبِحالِهِ حالَكَ ، غَداةَ لا يَنفَعُكَ أحِبّاوُكَ ، ولايُغني عَنكَ نِداؤُكَ ، حينَ يَشتَدُّ مِنَ المَوتِ أعالينُ المَرَضِ ، وأليمُ لَوعاتِ المَضَضِ ، حينَ لايَنفَعُ الأَليلُ ۱۰ ، ولا يَدفَعُ العَويلُ ، يَحفَزُ ۱۱ بِهَا الحَيزومُ ۱۲ ، ويَغُصُّ بِهَا الحُلقومُ ، لايُسمِعُهُ النِّداءُ ، ولا يَروعُهُ
الدُّعاءُ ، فَيا طولَ الحُزنِ عِندَ انقِطاعِ الأَجَلِ .
ثُمَّ يُراحُ بِهِ عَلى شَرجَعٍ ۱۳ نَقَلَهُ أكُفٌّ أربَعٌ ، فَيَضجَعُ في قَبرِهِ في لَبثٍ ۱۴ وضيقِ جَدَثٍ ، فَذَهَبَتِ الجِدَةُ ۱۵ ، وَانقَطَعَتِ المُدَّةُ ، ورَفَضَتهُ العُطَفَةُ ، وقَطَعَتهُ اللُّطَفَةُ ، لا تُقارِبُهُ الأَخِلاّءُ ، ولا يُلِمُّ بِهِ الزُّوّارُ ، ولاَ اتَّسَقَت بِهِ الدّارُ ، انقَطَعَ دونَهُ الأَثَرُ ، وَاستُعجِمَ دونَهُ الخَبَرُ ، وبَكَّرَت وَرَثَتُهُ فَاقتَسَمَت تَرَكَتُهُ ، ولَحِقَهُ الحَوبُ ۱۶ ، وأحاطَت بِهِ الذُّنوبُ ، فَإِن يَكُن قَدَّمَ خَيرا طابَ مَكسَبُهُ ، وإن يَكُن قَدَّمَ شَرّا تَبَّ مُنقَلَبُهُ . وكَيفَ يَنفَعُ نَفسا قَرارُها وَالمَوتُ قَصارُها وَالقَبرُ مَزارُها ؟! فَكَفى بِهذا واعِظا .
كَفى يا جابِر ، امضِ مَعي . فَمَضَيتُ مَعَهُ حَتّى أتَينَا القُبورَ ، فَقالَ :
يا أهلَ التُّربَةِ ويا أهلَ الغُربَةِ ، أمَّا المَنازِلُ فَقَد سُكِنَت ، وأمَّا المَواريثُ فَقَد قُسِمَت ، وأمَّا الأَزواجُ فَقَد نُكِحَت ، هذا خَبَرُ ما عِندَنا ، فَما خَبرُ ما عِندَكُم؟
ثُمَّ أمسَكَ عَنّي مَلِيّا ، ثُمَّ رَفَعَ رَأسَهُ فَقالَ : وَالَّذي أقَلَّ السَّماءَ فَعَلَت ، وسَطَحَ الأَرضَ فَدَحَت ، لَو اُذِنَ لِلقَومِ فِي الكَلامِ ، لَقالوا : إنّا وَجَدنا خَيرَ الزّادِ التَّقوى . ثُمَّ قالَ : يا جابِر إذا شِئتَ فَارجِع . ۱۷
1.أعلام الدين : ص ۳۳۵ عن أبي موسى الأشعري ، إرشاد القلوب : ص ۱۷۶ ، بحار الأنوار : ج ۷۷ ص ۱۷۸ ح ۱۰ ؛ ربيع الأبرار : ج ۱ ص ۶۶ ح ۶۷ ، الفردوس : ج ۵ ص ۱۰ ح ۷۲۸۸ كلاهما عن ابن مسعود نحوه ، كنز العمّال : ج ۳ ص ۲۳۹ ح ۶۳۴۳ .
2.المصنّف لابن أبي شيبة : ج ۸ ص ۱۴۳ ح ۱۲۸ ، كنز العمّال : ج ۳ ص ۶۰۷ ح ۸۱۴۰ نقلاً عن الديلمي وكلاهما عن المطّلب بن حنطب ؛ كنز الفوائد : ج ۲ ص ۱۶۲ ، أعلام الدين : ص ۱۵۲ ، بحار الأنوار : ج ۷۷ ص ۱۷۱ ح ۷ .
3.المستدرك على الصحيحين : ج ۴ ص ۳۴۸ ح ۷۸۷۰ عن سعد بن طارق عن أبيه ، الفردوس : ج ۴ ص ۲۶۹ ح ۶۷۹۴ عن طارق بن أشيم وفيه صدره إلى «رضاء ربّه» ، كنز العمّال : ج ۳ ص ۲۳۹ ح ۶۳۴۱ .
4.البَيْن : البعد والفراق (النهاية : ج ۱ ص ۱۷۵ «بين») .
5.الرَّواح : نقيض الصباح ، وهو اسم للوقت من زوال الشمس إلى الليل (الصحاح : ج ۱ ص ۳۶۸ «روح») .
6.البُكرَة : الغُدوة [أي ما بين صلاة الغداة وطلوع الشمس] . وبَكَر عليه وإليه وفيه وابتكَر : أتاه بُكرَةً (القاموس المحيط : ج ۱ ص ۳۷۶ «بكر») .
7.مرّضْتَهُ : تكفّلتَ بمداواته (المصباح المنير : ص ۵۶۹ «مرض») .
8.عَلَّلَه بالشيء : أي لَهّاه به ؛ كما يُعلَّل الصبيّ بشيء من الطعام يتجزّأ به عن اللبن (الصحاح : ج ۵ ص ۱۷۷۴ «علل») . والمعنى : خدمتَه في علّته .
9.أسعَفتُه بحاجته إسعافا : قضيتُها له (المصباح المنير : ص ۲۷۷ «سعف») .
10.الألِيْل : الأنين (الصحاح : ج ۴ ص ۱۶۲۶ «ألل») .
11.الحَفْز : الحثّ والإعجال (النهاية : ج ۱ ص ۴۰۷ «حفز») .
12.الحَيزُوم : وسط الصدر وما يُشدّ عليه الحزام (الصحاح : ج ۵ ص ۱۸۹۹ «حزم») .
13.الشَّرْجَعُ : النّعْشُ أو الجنازة (القاموس المحيط : ج ۳ ص ۴۳ «شرجع») .
14.اللَّبْث : المَكْثُ (القاموس المحيط : ج ۱ ص ۱۷۳ «لبث») .
15.واجِدٌ للشيء : قادرٌ عليه (المصباح المنير : ص ۶۴۸ «وجد») .
16.الحَوْب : الإثم (الصحاح : ج ۱ ص ۱۱۶ «حوب») .
17.تحف العقول : ص ۱۸۶ وراجع الإرشاد : ج ۱ ص ۲۹۶ والأمالي للطوسي : ص ۵۹۴ ح ۱۲۳۱ وخصائص الأئمّة عليهم السلام : ص ۱۰۲ والزهد للحسين بن سعيد : ص ۴۷ ح ۱۲۸ ونهج البلاغة : الحكمة ۱۳۱ وبحار الأنوار : ج ۷۳ ص ۱۲۹ ح ۱۳۵ وتاريخ بغداد : ج ۷ ص ۲۸۷ ح ۳۷۸۹ وتاريخ دمشق : ج ۴۲ ص ۴۹۹ وكنزالعمّال : ج ۳ ص ۷۳۲ ح ۸۶۰۳ .