بواقي^۱ أشَدِّها و أنکَرِها، و نَوائِبَ مَخلوطَةٍ بِغَضَبِکَ، و نَوازِلَ مَعجونَةٍ بِسَخَطِکَ.

قال سدير: فَاستَطارَت عُقولُنا وَلَهاً و تَصَدَّعَت قُلوبُنا جَزَعاً مِن ذَلِکَ الخَطبِ الهائِلِ و الحادِثِ الغائِلِ، و ظَنَنّا أنَّهُ سِمَةٌ لِمَكروهَةٍ قارِعَةٍ أو حَلَّت بِهِ مِنَ الدَّهرِ بائِقَةٌ، فَقُلنا: لا أبكى اللّٰه يا ابنَ خَيرِ الوَرى عَينَيکَ مِن أيّة حادِثَةٍ تَستَنزِفُ دَمعَتَکَ و تَستَمطِرُ عَبرَتَکَ، و أيَّةُ حالَةٍ حَتَمَت عَلَيکَ هَذا المَأتَمَ؟ قالَ: فَزَفَرَ الصّادِقُ علیه السلام زَفرَةً انتَفَخَ مِنها جَوفُهُ و اشتَدَّ عَنها خَوفُهُ، و قالَ: وَيلَكُم^۲ نَظَرتُ فی كِتابِ الجَفرِ صَبيحَةَ هَذا اليَومِ و هوَ الكِتابُ المُشتَمِلُ عَلى عِلمِ المَنايا و البَلايا و الرَّزايا و عِلمِ ما كانَ و ما يَكونُ إلى يَومِ القيامَةِ، الَّذی خَصَّ اللّٰه بِهِ مُحَمّداً و الأئِمَّةَ مِن بَعدِهِ عَلَيهِ و عَلَيهِمُ السَّلامُ، و تَأمَّلتُ مِنهِ مَولِدَ قائِمِنا و غيبَتَهُ و إبطاءَهُ و طولَ عُمُرِهِ، و بَلوى المُؤمِنينَ فی ذَلِکَ الزَّمانِ، و تَوَلُّدَ الشُّكوکِ فی قُلوبِهِم مِن طولِ غَيبَتِهِ، و ارتِدادَ أكثَرِهِم عن دينِهِم، و خَلعَهُم رِبقَةَ الإسلامِ مِن أعناقِهِمُ الَّتی قالَ اللّٰه تَقَدَّسَ ذِكرُهُ: (وَ كُلَّ إنسانٍ ألزَمناهُ طائِرَهُ فی عُنُقِهِ)،^۳ يَعنی الوَلايَةَ، فَأخَذَتنی الرِّقَّةُ و استَولَت عَلَیَّ الأحزانُ. فَقُلنا: يا ابنَ رَسولِ اللّٰه، کَرِّمنا و شَرِّفنا بِإشراكِکَ إيّانا فی بَعضِ ما أنتَ تَعلَمُهُ مِن عِلمِ ذلک. قالَ: إنَّ اللّٰه تَبارَکَ و تَعالى أدارَ لِلقائِمِ مِنّا ثَلاثَةً أدارَها فی ثَلاثَةٍ مِنَ الرُّسُلِ علیهم السّلام، قَدَّرَ مَولِدَهُ تَقديرَ مَولِدِ موسى علیه السلام، و قَدَّرَ غَيبَتَهُ تَقديرَ غَيبَةِ عيسى علیه السلام، و قَدَّرَ إبطاءَهُ تَقديرَ إبطاءِ نوحٍ علیه السلام، و جَعَلَ لَهُ مِن بَعدِ ذَلِکَ عُمُرَ العَبدِ الصّالِحِ، أعنی الخَضِرَ علیه السلام دَليلاً عَلى عُمُرِهِ. فَقُلنا لَهُ: اكشِف لَنا يا ابنَ رَسولِ اللّٰه عن وُجوهِ هَذِهِ المَعانی، قالَ علیه السلام: أمّا مَولِدُ موسى علیه السلام فَإنَّ فِرعَونَ لَمّا وَقَفَ عَلى أنَّ زَوالَ مُلكِهِ عَلى يَدِهِ أمَرَ بِإحضارِ الکَهَنَةِ، فَدَلّوهُ عَلى نَسَبِهِ و أنَّهُ يَكونُ مِن بَنی إسرائيلَ، و لَم يَزَل يَأمُرُ أصحابَهُ بِشَقِّ بُطونِ الحَوامِلِ مِن نِساءِ بَنی إسرائيلَ حَتّى قَتَلَ فی طَلَبِهِ نَيِّفاً و عِشرينَ ألفَ مَولودٍ، و تَعَذَّرَ عَلَيهِ الوُصولُ إلى قَتلِ موسى علیه السلامبِحِفظِ اللّٰه تَبارَکَ و تَعالى إيّاهُ، و کَذَلِکَ بَنو أُمَيَّةَ و بَنو العَبّاسِ لَمّا وَقَفوا عَلى أنَّ زَوالَ مُلكِهِم و مُلکِ الأُمَراءِ و الجَبابِرَةِ مِنهُم عَلى يَدِ القائِمِ مِنّا ناصَبونا العَداوَةَ، و وَضَعوا سُيوفَهُم فی قَتلِ آلِ الرَّسولِ صلی الله علیه و اله و إبادَةِ نَسلِهِ؛ طَمَعاً مِنهُم فی الوُصولِ إلى قَتلِ

فَيُبايِعُهُ، ثُمَّ يَضَعُ رِجلاً عَلى بَيتِ اللّٰه الحَرامِ و رِجلاً عَلى بَيتِ المَقدِسِ، ثُمَّ يُنادی بِصَوتٍ طَلِقٍ تَسمَعُهُ الخَلائِق: ‏(أتى‏ أمرُ اللّٰه فَلا تَستَعجِلوهُ‏).^۱

۱۰ / ۴

إخبار الإمام الصادق۷ عن القائم۷

(وَعَدَ اللّٰه الَّذينَ آمَنوا مِنكُم و عَمِلوا الصّالِحاتِ لَيَستَخلِفَنَّهُم فی الأرضِ کَما استَخلَفَ الَّذينَ مِن قَبلِهِم و لَيُمَكِّنَنَّ لَهُم دينَهُمُ الَّذی ارتَضى‏ لَهُم و لَيُبَدِّلَنَّهُم مِن بَعدِ خَوفِهِم أمناً يَعبُدونَنی لا يُشرِكونَ بی شَيئاً و مَن کَفَرَ بَعدَ ذلِکَ فَأُولئِکَ هُمُ الفاسِقونَ) [النور (۲۴): ۵۵]

۱۶۱. کمال الدین: حدّثنا محمّد بن علی بن حاتِم النّوفلی المعروف بالكرمانی، قال: حدّثنا أبو العبّاس أحمَدُ بن عيسى الوشّاء البَغدادی، قال: حدّثنا أحمد بن طاهِر القمّی، قال: حدّثنا محمّد بن بحر بن سهل^۲ الشیبانی، قال: أخبرنا علی بن الحارث عن سعید بن منصور^۳ الجَواشِنی، قال: أخبرنا أحمد بن علی البُدَيلی، قال: أخبرنا أبی عن سدير الصيرفی، قال: دَخَلتُ أنا و المُفَضَّلُ بن عمر و أبو بَصيرٍ و أبانُ بنُ تَغلِبَ عَلى مَولانا أبی عَبدِ اللّٰه الصّادِقِ۷، فَرَأيناهُ جالِساً عَلى التُّرابِ و عَلَيهِ مِسحٌ خَيبَریٌّ مُطَوَّقٌ بِلا جَيبٍ مُقَصَّرُ الكُمَّينِ، و هوَ يَبكی بُكاءَ الوالِهِ الثَّكلى ذاتَ الکَبِدِ الحَرّى، قَد نالَ الحُزنُ مِن وَجنَتَيهِ و شاعَ التَّغَيُّرُ فی عارِضَيهِ و أبلى الدُّموعُ مَحجِرَيهِ، و هوَ يَقولُ: سَيِّدی غَيبَتُکَ نَفَت رُقادی، و ضَيَّقَت عَلَیَّ مِهادی، و ابتزّت^۴ مِنّی راحَةَ فُؤادی، سَيِّدی غَيبَتُکَ أوصَلَت مُصابی بِفَجائِعِ الأبَدِ، و فَقدُ الواحِدِ بَعدَ الواحِدِ يُفنی الجَمعَ و العَدَدَ، فَما أُحِسُّ بِدَمعَةٍ تَرقى مِن عَينی و أنينٍ يَفتُرُ مِن صَدری عن دَوارِجِ الرَّزايا و سَوالِفِ البَلايا، إلّا مُثِّلَ بِعَينی عَن غَوابِرِ^۵ أعظَمِها و أفضعِها،^۶ و