عَن بَعضِ أنبيائِهِ إذ قالَ: (يَرِثُنی و يَرِثُ مِن آلِ يَعقوبَ)۱
و فَصَّلَ فی بَرِيَّتِهِ الميراثَ مِمّا فَرَضَ مِن حَظِّ الذِّكارَةِ و الإناثِ، فَلِمَ سَوَّلَت لَكُم أنفُسُكُم أمراً؟ فَصَبرٌ جَميلٌ و اللّٰه المُستَعانُ عَلَى ما تَصِفونَ. قَد زَعَمتَ أنَّ النُّبُوَّةَ لا تُورَثُ و إنَّما يُورَثُ ما دونَها، فَما لی أُمنَعُ إرثَ أبی؟ أأنزَلَ اللّٰه فی کِتابِهِ: إلّا فاطِمَةَ بِنتَ مُحَمَّدٍ؟! فَدُلَّنی عَلَيهِ أقنَع بِهِ.
فَقالَ أبو بَكرٍ لَها: يا بِنتَ رَسولِ اللّٰه، أنتِ عَينُ الحُجَّةِ و مَنطِقُ الحِكمَةِ، لا أُدلی بِجَوابِکِ و لا أدفَعُکِ عَن صَوابِکِ، لَكِنَّ المِسلِمونَ بَينی و بَينِکِ، فَهُم قَلَّدونی ما تَقَلَّدتُ، و آتونی ما أخَذتُ و ما تَرَكتُ.
فَقالَت فَاطِمَةُ لِمَن بِحَضرَتِهِ: أتَجتَمِعونَ إلى المُقبِلِ بِالباطِلِ و الفِعلِ الخاسِرِ؟! لَبِئسَ ما اعتاضَ المُسلِمونَ و ما يَسمَعُ الصُّمُّ الدُّعاءَ إذا وَلَّوا مُدبِرينَ، أما و اللّٰه لَتَجِدَنَّ مَحمِلَها ثَقيلاً و عِبأها وَبيلاً، إذا كُشِفَ لَكُمُ الغِطاءُ فَحينَئِذٍ لاتَ حينَ مَناصٍ، و بَدا لَكُم مِنَ اللّٰه ما كُنتُم تَحذَرونَ.
قالوا: و لَم يَكُن الرَّجُلُ۲ حاضِراً، فَكَتَبَ لَها أبو بَكرٍ كِتاباً إلى عامِلِهِ بِرَدِّ فَدَکٍ، فَأخرَجَتهُ فی يَدِها، و استَقبَلَها عُمَرُ فَأخَذَهُ مِنها و تَفَلَ فيهِ و مَزَّقَهُ، و قالَ: لَقَد خَرِفَ ابنُ أبی قُحافَةَ و ظَلَمَ، فَقالَت لَهُ: ما لَکَ؟ لا أمهَلَکَ اللّٰه تَعالى و قَتَلَکَ و مَزَّقَ بَطنَکَ؟!
و أتَت مِن فَورِها ذَلِکَ الأنصارَ، فَقالَت: مَعشَرَ النَّقيبَةِ و حِصنَةَ الإسلامِ، ما هَذِهِ الغَميزَةُ فی حَقّی و السُّنَّةُ عَن ظَلامَتی؟ أما كانَ رَسولُ اللّٰه أمَرَ بِحِفظِ المَرءِ فی وُلدِهِ؟ فَسُرعانَ ما أحدَثتُم و عَجلانَ ذا إهالَةٍ، أتَقولونَ ماتَ مُحَمَّدٌ فَخَطبٌ جَليلٌ استَوسَعَ وَهيُهُ و استَهتَرَ فَتقُهُ و فُقِدَ راتِقُهُ، فَأُظلِمَت الأرضُ لِغَيبَتِهِ، و اكتَأبَ خِيرَةُ اللّٰه لِمُصيبَتِهِ، و أُكِّدَتِ الآمالُ و خَشَعَتِ الجِبالُ و أُضيعَ الحَريمُ و أُزيلَتِ الحُرمَةُ بِمَوتِ مُحَمَّدٍ، فَتِلکَ نازِلَةٌ أعلَنَ بِها كِتابُ اللّٰه هُتافاً هُتافاً، و لَقَبِلَ ما خَلَت بِهِ أنبياءُ اللّٰه و رُسُلُهُ (وَ ما مَحَمَّدٌ إلّا رَسولٌ)۳ ـ الآية ـ أبَنی قَيلَةَ أُهضَمُ تُراثَ أبی و أنتُم بِمَرأى و مَسمَعٍ تَلبَسُكُمُ الدَّعوَةُ و يَشمَلُكُمُ الجُبنُ و فيكُمُ العُدَّةُ و العَدَدُ و لَكُمُ الدّارُ و الخِيرَةُ، و أنتُم أنجُبَتُهُ الَّتی امتَحَنَ،