مَسجِدی و هوَ فی جَماعَةٍ مِن أصحابِهِ إذ نَکَبَت عَنهُم جَماعَةٌ مِن كِلابِ أهلِ النّارِ يُريدونَ قَتلَهُ و قَتلَ مَن مَعَهُ، و لَستُ أشُكُّ أنَّكُم هُم. فَهَمَّ بِهِ عُمَرُ بنُ الخَطّابِ، فَنَهَضَ عَلیُّ علیه السلام فَتَناوَلَ أثيابَ عُمَرَ بنِ الخَطّابِ و خِناقَه و جَلَدَ بِهِ الأرضَ، و وَضَعَ رِجلَهُ عَلى صَدرِهِ و قالَ: يا ابنَ صُهاکَ، لَولا كِتابٌ مِنَ اللّٰه سَبَقَ و عَهدٌ مِن رَسولِ اللّٰه، لأهرَقتُ دَمَکَ، أنتَ أقَلُّ صَبراً و أضعَفُ ناصِراً. ثُمَّ أقبَلَ عَلى أصحابِهِ و قالَ: انصَرِفوا يَرحَمُكُمُ اللّٰه، فَو اللّٰه إن رَفَعَ أحَدُهُم عَلَيكُم سَيفاً أو طَرَفاً لألحَقَنَّ آخِرَهُم بِأوَّلِهِم. فَنَکَسوا رُؤوسَهُم جَميعاً، ثُمَّ قالَ: و اللّٰه لأدخُلَنَّ هَذا المَسجِدَ کَما دَخَلَ أخَوایَ موسى و هارونَ، إذ قالَ لَهُ قَومُهُ: (فاذهَب أنتَ و رَبُّکَ فَقاتِلا إنّا هاهُنا قاعِدونَ)،۱ و اللّٰه لا أدخُلَنَّهُ إلّا لِزيارَةِ رَسولِ اللّٰه صلی الله علیه و اله أو لِقَضيَّةٍ أقضيها؛ فَإنَّهُ لا يَجوزُ لِحُجَّةِ اللّٰه و وَصیِّ رَسولِ اللّٰه صلی الله علیه و اله أن يَترُکَ مَن يَستَرشِدُهُ. ثُمَّ رَفَعَ رِجلَهُ عن صَدرِ عُمَرَ و رَکَلَهُ، و قالَ لَهُ: اذهَب، فَإنَّ للهِ فيکَ أمراً هوَ بالِغهُ.
قال أبان: قال الصادق جعفر بن محمّد علیه السلام: فَما دَخَلَهُ إلّا کَما قالَ علیه السلام، ثُمَّ خَرَجَ و أصحابُهُ و دَخَلَ أبو بَكرٍ و جَمعُهُ، ثُمَّ ارتَقى المِنبَرَ دونَ مَقامِ رَسولِ اللّٰه صلی الله علیه و اله بِدَرَجَةٍ، ثُمَّ حَمِدَ اللّٰه و أثنى عَلَيهِ، و ذَکَرَ النَّبیَّ صلی الله علیه و اله، فَقالَ فی الجَماعَةِ رَجُلٌ: کَيفَ يُصَلّیَ عَلَيهِ و قَد خالَفَ أمرَهُ الَّذی جاءَ مِنَ اللّٰه تَعالى! ثُمَّ بَدأ أبو بَكرٍ بِنَفسِهِ، فَساعَةَ ما ذَکَرَ نَفسَهُ انتَقَضَ عَلَيهِ عَقِبُهُ الَّذی لَدَغَهُ فيهِ الحَريشُ، فَقَصَّرَ قامَتَهُ، و أسبَلَ ثَوبَهُ عَلى عَقِبِهِ، و أوجَزَ فی کَلامِهِ، و نَزَلَ عَنِ المِنبَرِ، و أسرَعَ إلى مَنزِلِه يَستَقيمَ حالَهُ، فَتَبِعَهُ أبو ذَرٍّ مُسرِعاً، فَلَمّا دَخَلَ أبو بَكرٍ مَنزِلَهُ هَجَمَ عَلَيهِ و دَخَلَ خلفه، ثُمَّ قالَ لَهُ: يا أبا بَكرٍ، بِاللّٰهِ عَلَيکَ، هَل انتَقَضَ عَلَيکَ عَقِبِکَ الَّذی ضَرَبَکَ فيهِ الحَريشُ فی الغارِ و قالَ لَکَ رَسولُ اللّٰه صلی الله علیه و اله: وَيلَکَ لا تَحزَن فَقُلتَ: أخافُ المَوتَ، فَقالَ: لا تَموتَ إنَّما يَنتَقِضَ عَلَيکَ ساعَةَ تَنقُضَ عَهدی و تَظلُمَ وَصيّی؟ فَقالَ لَهُ أبو بَكرٍ: مِن أينَ لَکَ ذَلِکَ و ما كُنتَ مَعَنا فی الغارِ؟ فَقالَ: إنَّ أميرَ المُؤمِنينَ عَليٌّ علیه السلام، قالَ: اذهَب فَانظُر إلى أبی بَكرٍ، فَإنَّهُ يَبلُغَ إلى دارِهِ فَيَنتَقِضَ عَلَيهُ عَقِبُهُ الَّذی لَدَغَهُ فيهِ الحَريشُ، فَأتَيتُکَ کَما أخبَرَنی المَظلومُ الصّادِقُ. ثُمَّ دَخَلَ عُمَرُ و خَرَجَ أبو ذَرٍّ مُسرِعاً.۲