النِّفاقِ و مَعدِنِ الشَّنآنِ و الشِّقاقِ عَمرِو بنِ العاصِ، الَّذی أنزَلَ اللّٰه تَعالى فيهِ عَلى نَبيِّهِ صلی الله علیه و اله (إنَّ شانِئَکَ هوَ الأبتَرُ)،۱ فَلا اختِلافَ بَينَ أهلِ العِلمِ أنَّها نَزَلَت فی عَمرٍو، و هوَ كانَ أميراً عَلَيكُما و عَلى سائِرِ المُنافِقينَ فی الوَقتِ الَّذی أنفَذَهُ رَسولُ اللّٰه صلی الله علیه و اله فی غَزاةِ ذاتِ السَّلاسِلِ، و أنَّ عَمراً قَلَّدَكُما حَرسَ عَسکَرِهِ فَمِنَ الحَرسِ إلى الخِلافَةِ، اتَّقِ اللّٰه و بادِرِ الِاستِقالَةَ قَبلَ فَوتِها، فَإنَّ ذَلِکَ أسلَمُ لَکَ فی حَياتِکَ و بَعدَ وَفاتِکَ، و لا تَرکَن إلى دُنياکَ، وَ لا تَغُرَّنَّکَ۲ قُرَيشٌ و غَيرُها، فَعن قَليلٍ تَضمَحِلُّ عَنکَ دُنياکَ، ثُمَّ تَصيرُ إلى رَبِّکَ فَيَجزيکَ بِعَمَلِکَ، و قَد عَلِمتَ و تَيَقَّنتَ أنَّ عَلیَّ بنَ أبی طالِبٍ علیه السلام صاحِبُ هَذا الأمرِ بَعدَ رَسولِ اللّٰه، فَسَلَّمَهُ إلَيهِ بِما جَعَلَهُ اللّٰه لَهُ، فَإنَّهُ أتَمُّ لِسَترِکَ و أخَفُّ لِوِزرِکَ، فَقَد و اللّٰه نَصَحتُ لَکَ إن قَبِلتَ نُصحی و إلى اللّٰه تُرجَعُ الأُمورُ.
ثُمَّ قامَ إلَیهِ بُرَيدَةُ الأسلَمی فَقالَ: إنّا لِلَّهِ و إنّا ألَيهِ راجِعونَ، ماذا لَقيالحَقُّ مِنَ الباطِلِ يا أبا بَكرٍ؟ أنَسيتَ أم تَناسَيتَ و خَدَعتَ أم خَدَعَتکَ نَفسُکَ سَوَّلَت لَکَ الأباطيلَ، أو لَم تَذكُر ما أمَرَنا بِهِ رَسولُ اللّٰه صلی الله علیه و اله مِن تَسميةِ عَلیٍّ علیه السلام بِإمرَةِ المُؤمِنينَ و النَّبی صلی الله علیه و اله بَينَ أظهُرِنا، و قَولَهُ فی عِدَّةِ أوقاتٍ: هَذا عَلیٌّ أميرُ المُؤمِنينَ و قاتِلُ القاسِطينَ، اِتَّقِ اللّٰه و تَدارَک نَفسَکَ قَبلَ أن لا تُدرِکَها، و أنقِذها مِمّا يُهلِكُهُا، و اردُدِ الأمرَ إلى مَن هوَ أحَقُّ بِهِ مِنکَ، و لا تَتَمادَ فی اغتِصابِهِ، و راجِع و أنتَ تَستَطيعُ أن تَراجَعَ، فَقَد مَحَضتُکَ النُّصحَ و دَلَلتُکَ عَلى طَريقِ النَّجاةِ، فَلا تَكونَنَّ ظَهيراً لِلمُجرِمينَ.
ثُمَّ قامَ عَمّارُ بنُ ياسِرٍ فَقالَ: يا مَعاشِرَ قُرَيشٍ يا مَعاشِرَ المُسلِمينَ، إن كُنتُم عَلِمتُم و إلّا فَاعلَموا أنَّ أهلَ بَيتِ نَبيِّكُم أولى بِهِ و أحَقُّ بِإرثِهِ، و أقوَمُ بِأُمورِ الدّينِ و آمَنُ عَلى المُؤمِنينَ، و أحفَظُ لِمِلَّتِهِ و أنصَحُ لِأُمَّتِهِ، فَمُروا صاحِبَكُم فَليَرُدَّ الحَقَّ إلى أهلِهِ قَبلَ أن يَضطَرِبَ حَبلُكُم و يَضعُفَ أمرُكُم، و يَظفَرَ عَدوُّكُم و يَظهَرَ شَتاتُكُم، و تُعظُمَ الفِتنَةُ بِكُم و تَختَلِفونَ فيما بَينَكُم، و يَطمَعَ فيكُم عَدوُّكُم فَقَد عَلِمتُم أنَّ بَنی هاشِمٍ أولى بِهَذا الأمرِ مِنكُم و عَلیٌّ أقرب منكم إلى نَبيِّكُم، و هوَ مِن بَينِهِم وَليُّكُم بَعدَ اللّٰه و رَسولِهِ،۳ و فَرقٌ ظاهِرٌ قَد عَرَفتُموهُ