49
ميراث محدث اُرموي

مقدمه مؤلف

أما المقدمة

فاعلم أن المعصومين ـ سلام اللّه عليهم ـ لكونهم أكمل المخلوقات في أعصارهم و الوسائط للفيوضات الواصلة إليهم ، على ما يُستفاد من الأخبار الكثيرة ، من أنه لولا هم لخسف بنا الأرض و لغارت الأنهار ، و قد اُشير إلى ذلك إجمالاً في بعض فقرات دعاء «العديلة» ، حيث قال : و بوجوده ثبتت الأرض و السماء ، و بيُمنه رُزق الورى .
فلا بد أن يكون كلٌّ منهم أتمّ و أجمع للكمالات التي منها الفصاحة و البلاغة ، بحيث صارت سببَ الإعجاز في كلام الباري تعالى ؛ على ما هو المشهور من وجوه إعجاز القرآن .
و لما كان مقتضى البلاغة تكليم كلِّ واحد على قدر فهمه و معرفته ؛ كما قيل : « كلِّموا الناس على قدر عقولهم »، ۱ فلم يتمكنوا من إظهار مراتب الفصاحة و البلاغة مع الأشخاص المخاطبين السائلين عن الأحكام ؛ لعدم استعدادهم غالبا للتكلم إلا على نحو أوضح و أبين بطريق ساذج . بل ربما كانوا لا يلتفتون إلى البيانات الواضحة أيضا .
فكان كمالهم مذخورا عندهم ، لم يكد يتفق لهم موردٌ لإظهار مذخوراتهم من مكنونات البلاغة إلا في أمثال الأدعية و المناجاة ، فلذا صارت الأدعية المأثورة عنهم ـ سلام اللّه عليهم ـ قابلة للتوجّه ، بل محتاجة غالبها إلى الإيضاح و التنبّه ، و مفتقرة أكثرها إلى البيان في الفهم و التفقّه .
ألا ترى إلى دعاء « العديلة » و « الصباح » متوقفة عباراتها على البيان و الإفصاح ، و كذا دعاء « الكميل » و « السمات » ، و كذا سائر الأدعية المحتوية على غامض العبارات ؟ و من هذا القبيل دعاء « الندبة » ، [ لا ]سيما أواخرها المشتملة على مطالب صعبة .
و من المعلوم أن الغرض من الدعاء ـ و هو الوصول إلى مطالب الدنيا و الآخرة ـ لا يتحصل إلا بعد فهم معنى الدعاء ، و ليس كالقراءة في الصلاة في تعلق الغرض بالألفاظ ، بل المقصود هو المعنى ، و الإنشاء إنما يتعلق به .
و لا معنى للطلب قبل تصوّر المطلوب ، بل هو نظير تعشق واحد من سلاطين السلف ، حيث سمع باب التعشق و قصص بعض العشَّاق ، فعشق السلطان من دون معشوق ، و قال
بعد شهر للوزير : «أطلب لي معشوقا فقد عشقت منذ شهر!» .
و لعمري إن تلاوة الأدعية الملحونة لمعشر العوام الغير الملتفت إلى المعنى أصلاً ، ليس فيها جهة حسن يُتدارك بها الأوقات المضيَّعة ، بل الأولى لأمثال هؤلاء أن يدعوا ربَّهم بأي لسان يفهمون و يقدرون .
ألا ترى أن صاحب السواد الناقص ربما يقرأ بعض العبارات ؛ فيكون عوض المدح قدح ، و عوض الدعاء لعنة . و قد اشتهر أن رجلاً من الناقصين كان يقرأ زيارة سيد الشهداء ـ روحي له الفداء ـ في حرم أمير المؤمنين عليه السلام من البياض ، فقرأ هذه الفقرة : السلام على الثمر الجَنيِّ «السلام على الشمر الجِنّي!» ؛ فإن هذا الرجل من بركة جهله قد ارتكب معصيتين : الاُولى تسليمه على الشمر اللعين ؛ حيث اشتبه من لفظ « الثمر » بمعنى « ميوه » ، و الثانية توصيفه بالجنّي ؛ فانّ شمر لو كان جنّيا ـ أي مجنونا ـ فيكون مرفوع القلم غير مؤاخذ في قتل الحسين عليه السلام ، فيكون هذا الرجل قد هدم أساس حياة الإسلام و مباني شفاعة أئمة الأنام .
فإذا عرفت ذلك وأنّ الذي لابدّ من فهم معناه قبل التلاوة، فالآن نشرع في شرح دعاء الندبة .
و قبل الخوض فيه فلا بد من بيان سنده ، و لم أجد فيه مما أعتمد به عدا ما عن العلامة المجلسي قدس سرهفي زاد المعاد ، حيث رواه مرسلاً عن الإمام الصادق ـ سلام اللّه عليه ـ من دون تعرض للكتاب الذي نقله عنه . و لكن في كتاب هدية الزائرين للعالم الوحيد الحاج شيخ عباس القمي ـ سلمه اللّه ـ من تلامذة المرحوم المبرور المحدث النوري ـ طيّب اللّه رمسه ـ أنّ دعاء الندبة قد نقل من ثلاثة كتب :
أحدها : مزار محمد بن المشهدي الذي يعبِّر عنه المجلسي بالمزار الكبير .
وثانيها : مزار ابن طاووس ، و هو مصباح الزائر .
وثالثها : المزار القديم ، و لعله من مؤلفات القطب الراوندي ۲ .
و في كل هذه الكتب لم يُنقل دعاءُ الندبة إلا عن كتاب محمد بن علي بن أبي قرة ، و قدنقله من كتاب محمد بن الحسين بن سفيان البزوفري ؛ إذ قال : هذا دعاء يُقرأ لحجة العصر ـ عجل اللّه فرجه ـ و يستحب قراءته في الأعياد الثلاثة ۳ ، الفطر و الأضحى و الغدير و يوم الجمعة .
أقول : لمّا كان النُّدبَة ـ كالغُرْبَة ـ إمّا بمعنى الدعوة ؛ فكأن الداعي بهذا الدعاء يدعو إمام العصر ـ عجل اللّه فرجه ـ و يناديه و يستغيث به ، و إمّا بمعنى النياح على الميت ؛ فكأنه يندب على إمام العصر ، حيث إنه ـ لاستتاره و عدم الوصول إليه و عدم الانتفاع الكامل به ـ يكون كالمتوفي يُندب عليه ، [ لا ]سيما أنّ الأعداء لطول الغيبة مرّة ينكرون ولادته ـ كما أن أكثر العامة قالوا : «إنه لم يتولد بعدُ» ـ و تارة يقولون : «إنه قد مات» ، كما يُستفاد مما رواه البحار ۴ عن غيبة النعماني ۵ عن أبي جعفر عليه السلام قال : إن للقائم غيبتين ، يقال في إحداهما : «هلك ، و لا يُدرى في أيّ واد سلك!» .
و فيه ۶ أيضا عن الصادق عليه السلام قال للحازم : إنّ لصاحب هذا الأمر غيبتين ، يظهر في الثانية ، فمن جاءك يقول إنه نفض يده من تراب قبره فلا تصدّقه .
يعني : إن الغيبة الثانية لأجل طولها ـ كما أنه قد تجاوزت في أعصارنا من الألف الذي لا يعيش من البشر في مثل تلك المدة أحد في هذه القرون ـ فيقول بعض : «إنه مات» ، و قد استبعده الإمام عليه السلام و قال : من أخبر بموته قبل ظهوره بالحس و العيان ، بأن يقول : « قد دفنته بيدي » فلا تصدّقه ؛ فإن ظهوره عليه السلام بعد غيبته الكبرى من المحتومات .
رزق اللّه تعالى فيض لقائه .

1. نحوه ما ورد في المحاسن ، ج ۱ ، ص ۱۵۹ ؛ الكافي ، ج ۱ ، ص ۱۹۵ ؛ الكافي ، ج ۱ ، ص ۲۳ ، ح ۱۵ و ج ۸ ، ص ۲۶۸ ، ح ۳۹۴ ؛ الأمالي للصدوق ، ص ۵۰۴ ، ح۶۹۳ ؛ مشكاة الأنوار ، ص ۴۳۹ و... .

2. هدية الزائرين (حجري) ، ص ۵۰۷ .

3. كذا ، و الصحيح : الأعياد الأربعة ؛ فإن يوم الجمعة اعتبر عيدا في بعض الروايات .

4. بحار الأنوار ، ج ۵۲ ، ص ۱۵۶ ، ح ۱۵ .

5. الغيبة للنعماني ، ص ۱۷۳ ، ح ۸ .

6. الغيبة للنعمانى ، ص ۱۷۲ ، ح ۶ ؛ بحار الأنوار ، ج ۵۲ ، ص ۱۵۴ ، ح ۸ .


ميراث محدث اُرموي
48

بسم اللّه الرحمن الرحيم
الحمد للّه على آلائه ، و الصلاة على سيّد رسله و خاتم أنبيائه ، محمد المبعوث إلى كافة عباده و إمائه ، و على ابن عمه عليٍ حامل لوائه ، وآلهما الأطهار الأخيار من الآن إلى يوم لقائه .

و بعد :

لقد سألني بعض من لا يسعني ردُّه من سادات المحصلين ـ وفقه اللّه و سائر المشتغلين ـ أن أشرح دعاء الندبة لأقضي به حقَّ الاُنس و الصحبة ، فأجبت مسؤوله بطيب النفس و حسن الرغبة ، بعد [ عدم ] شوب غرض دنيوي و لا رتبة ، عدا ما نويت في القلب من كشف الكربة بصدق التوبة و حسن الأوبة .
و أسأل اللّه القبول بعد التوفيق ، و هو المأمول عند كل صعوبة و مضيق .
و ألتمس من الناظرين التلقّي بحسن القبول ، و أن يسامحوا بالصفح لو عثروا على الخطأ في المقول ؛ إذ الاعتصام مخصوص بذاته الأقدس و آياته ، و عرضة الإمكان محض نقص و فقر بشقوقاته .
و لقد سمّيت هذه الوجيزة بـ « وسيلة القربة في دعاء الندبة » .
و جعلتها عبارة عن مقدمة و خاتمة تكتنفان بفصول سبعة ۱ :

1. كذا في الأصل ، و قد جعلها المؤلف في فصول ثمانية.

  • نام منبع :
    ميراث محدث اُرموي
    سایر پدیدآورندگان :
    به اهتمام: سید جعفر حسینی اشکوری
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1385
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 2890
صفحه از 384
پرینت  ارسال به