107
میراث مکتوب رضوی

أحَدٌ، أشَدُّ النّاسِ تَواضُعاً أعظَمُهُم حِلماً و أنداهُم كَفّاً و أمنَعُهُم كَنَفاً، وَرِثَ عَنهُما أوصياؤُهُما عِلمَهُما، فَاردُد إلَيهِمُ الأمرَ و سَلِّم إلَيهِم، أماتَكَ اللهُ مَماتَهُم و أحياكَ حَياتَهُم إذا شِئتَ رَحِمَكَ اللهُ.

قالَ فَتحٌ: فَخَرَجتُ، فَلَمّا كانَ مِنَ الغَدِ تَلَطَّفتُ في الوُصولِ إلَيهِ، فَسَلَّمتُ عَلَيهِ فَرَدَّ عَلَيَّ السَّلامَ، فَقُلتُ: يا ابنَ رَسولِ اللهِ، أ تَأذَن لي في مَسألَةٍ اختَلَجَ في صَدري أمرُها لَيلَتي؟ قالَ: سَل، و إن شَرَحتُها فَلي و إن أمسَكتُها فَلي، فَصَحِّح نَظَرَكَ و تَثَبَّت في مَسألَتِكَ، و اصغِ إلى جَوابِها سَمعَكَ، و لا تَسألَ مَسألَةً تَعَيَّنَت، و اعتَنِ بِما تَعتَني بِهِ، فَإنَّ العالِمَ و المُتَعَلِّمَ شَريكانِ في الرُّشدِ، مَأمورانِ بِالنَّصيحَةِ، مَنهِيّانِ عن الغِشِّ، و أمّا الَّذي اختَلَجَ في صَدرِكَ لَيلَتَكَ، فَإن شاءَ العالِمُ أنبَأكَ، إنَّ اللهَ لَم يُظهِر عَلى غَيبِهِ أحَداً إلّا مَن ارتَضى مِن رَسول، فَكُلُّ ما كانَ عِندَ الرَّسولِ كانَ عِندَ العالِمِ، و كُلُّ مَا اطَّلَعَ عَلَيهِ الرَّسولُ فَقَد اطَّلَعَ أوصياؤُهُ عَلَيهِ؛ لِئَلّا تَخلوَ أرضُهُ مِن حُجَّةٍ يَكونُ مَعَهُ عِلمٌ يِدُلُّ عَلى صِدقِ مَقالَتِهِ و جَوازِ عَدالَتِهِ. يا فَتحُ، عَسَى الشَّيطانُ أرادَ اللُّبسَ عَلَيكَ فَأوهَمَكَ في بَعضِ ما أودَعتُكَ و شَكَّكَكَ في بَعضِ ما أنبَأتُكَ، حَتّى أرادَ إزالَتَكَ عن طَريقِ اللهِ و صِراطِهِ المُستَقيمِ، فَقُلتُ: مَتى أيقَنتُ إنَّهُم كَذا فَهُم أربابٌ، مَعاذَ اللهِ إنَّهُم مَخلوقونَ مَربوبونَ، مُطيعونَ لِلهِ داخِرونَ راغِبونَ، فَإذا جاءَكَ الشَّيطانُ مِن قِبَلِ ما جاءَكَ فاقمَعهُ بِما أنبَأتُكَ بِهِ.

فَقُلتُ لَهُ: جُعِلتُ فِداكَ، فَرَّجتَ عَنّي و كَشَفتَ ما لَبَّسَ المَلعونُ عَلَيَّ بِشَرحِكَ، فَقَد كانَ أوقَعَ في خَلَدي أنَّكُم أربابٌ.

قالَ: فَسَجَدَ أبو الحَسَنِ و هوَ يَقولُ في سِجودِهِ: راغِماً لَكَ يا خالِقي، داخِراً خاضِعاً.

قالَ: فَلَم يَزَل كَذَلِكَ حَتّى ذَهَبَ لَيلي، ثُمَّ قالَ: يا فَتحُ، كِدتَ أن تَهلِكَ و تُهلِكَ، و ما ضَرَّ عيسى إذا هَلَكَ مَن هَلَكَ، فَاذهَب إذا شِئتَ رَحِمَكَ اللهُ.

قالَ: فَخَرَجتُ و أنا فَرِحُ بِما كَشَفَ اللهُ عَنّي مِنَ اللَّبسِ بِأنَّهُم هُم، و حَمِدتُ اللهَ عَلى ما قَدَرتُ عَلَيهِ. فَلَمّا كانَ في المَنزِلِ الآخَرِ دَخَلتُ عَلَيهِ و هوَ مُتَّكِ و بَينَ يَدَيهِ حِنطَةٌ مَقلُوَّةٌ يَعبَثُ بِها، و قَد كانَ أوقَعَ الشَّيطانُ في خَلَدي أنَّهُ لا يَنبَغي أن يَأكُلوا و يَشرَبوا إذ كانَ ذَلِكَ آفَةٌ، و الإمامُ غَيرَ مَئُوفٍ! فَقالَ: اجلِس يا فَتحُ، فإنَّ لَنا بِالرُّسُلِ أُسوَةً،


میراث مکتوب رضوی
106

قالَ أينَ فَقَد أخلى مِنهُ، و مَن قالَ إلامَ فَقَد وَقَّتَهُ، عالِمٌ إذ لا مَعلومَ، و خالِقٌ إذ لا مَخلوقَ، و رَبٌّ إذ لا مَربوبَ، و إلَهٌ إذ لا مَألوهَ، و كَذَلِكَ يُوصَفُ رَبُّنا و هوَ فَوقَ ما يَصِفُهُ الواصِفونَ»‏.۱

۱۱. قال فتح بن يزيد الجرجاني، قالَ: «ضَمَّني و أبَا الحَسَنِ الطَّريقُ حينَ مُنصَرَفي مِن مَكَّةَ إلى خُراسانَ و هوَ صائِرٌ إلى العِراقِ، فَسَمِعَتُهُ و هوَ يَقولُ: مَنِ اتَّقى اللهَ يُتَّقى و مَن أطاعَ الله يُطاعُ. قالَ: فَتَلَطَّفتُ في الوُصولِ إلَيهِ، فَسَلَّمتُ عَلَيهِ فَرَدَّ عَلَيَّ السَّلامَ و أمَرَني بِالجُلوسِ، و أوَّلُ ما ابتَدَأني بِهِ أن قالَ: يا فَتحُ، مَن أطاعَ الخالِقَ لَم يُبالِ بِسَخَطِ المَخلوقِ، و مَن أسخَطَ الخالِقَ فَأيقَنَ أن يُحِلَّ بِهِ الخالِقُ سَخَطَ المَخلوقِ، و إنَّ الخالِقَ لا يُوصَفُ إلّا بِما وَصَفَ بِهِ نَفسَهُ، و أنّى يُوصَفُ الخالِقُ الَّذي تَعجِزُ الحَواسُّ أن تُدرِكَهُ، و الأوهامُ أن تنالَهُ، و الخَطَراتُ أن تَحُدَّهُ، و الأبصارُ عن الإحاطَةِ بِهِ، جَلَّ عَمّا يَصِفُهُ الواصِفونَ، و تَعالى عَمّا يَنعَتُهُ النّاعِتونَ، نَأى في قُربِهِ و قَرُبَ في نَأيِهِ، فَهوَ في نأيِهِ قَريبٌ و في قُربِهِ بَعيدٌ، كَيَّفَ الكَيفَ فَلا يُقالُ كَيفَ، و أيَّنَ الأينَ فَلا يُقالُ أينَ، إذ هوَ مُنقَطِعُ الكَيفِيَّةِ و الأينِيَّةِ، هوَ الواحِدُ الأحَدُ الصَّمَدُ، لَم يَلِد و لَم يُولَد و لَم يَكُن لَهُ كُفواً أحَدٌ، فَجَلَّ جَلالُهُ، أم كَيفَ يُوصَفُ بِكُنهِهِ مُحَمَّدٌ صلی الله علیه و آله و قَد قَرَنَهُ الجَليلُ بِاسمِهِ و شَرَكَهُ في عَطائِهِ، و أوجَبَ لِمَن أطاعَهُ جَزاءَ طاعَتِهِ، إذ يَقولُ: (وَمَا نَقَمُوا إِلَّآٰ أَنْ أَغْنَاهُمُ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ مِن فَضْلِهِ‌)، و قالَ يَحكي قَولَ مَن تَرَكَ طاعَتَهُ و هوَ يُعَذِّبُهُ بَينَ أطباقِ نيرانِها و سَرابيلَ قَطِرانها: (‏يَالَيْتَنَا أَطَعْنَا ٱللَّهَ وَ أَطَعْنَا ٱلرَّسُولَا. أم كَيفَ يُوصَفُ بِكُنهِهِ مِنَ قَرَنَ الجَليلُ طاعَتَهُم بِطاعَةِ رسولِهِ، حَيثُ قالَ: (‏أَطِيعُوا ٱللَّهَ وَأَطِيعُوا ٱلرَّسُولَ وَأُولِى ٱلْأَمْرِ مِنكُمْ‌)، و قالَ: (‏وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى ٱلرَّسُولِ وَإِلَىٰ أُولِى ٱلْأَمْرِ مِنْهُمْ‌)، و قالَ: (إِنَّ ٱللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّوا ٱلْأَمَانَاتِ إِلَىٰ أَهْلِهَا‏‌)، و قالَ: (‏فَسْأَلُوا أَهْلَ ٱلذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ‌).

يا فَتحُ، كَما لا يُوصَفُ الجَليلُ جَلَّ جَلالُهُ و الرَّسولُ و الخَليلُ و وُلدُ البَتولِ، فَكَذلِكَ لا يُوصَفُ المُؤمِنُ المُسلِمُ لِأمرِنا، فَنَبيُّنا أفضلُ الأنبياءِ، و خَليلُنا أفضَلُ الأخِلّاءِ، و وَصيُّهُ أكرَمُ الأوصياءِ، اسمُها أفضَلُ الأسماءِ، و كُنيَتُهُما أفضَلُ الكُنى و أجلاها، لَو لَم يُجالِسنا إلّا كُفوٌ لَم يُجالِسنا أحَدٌ، و لَو لَم يُزَوِّجنا إلّا كُفوٌ لَم يُزَوِّجنا

1.. التوحید، ص ۵۶، ح ۱۴.

  • نام منبع :
    میراث مکتوب رضوی
    سایر پدیدآورندگان :
    سیدمصطفی مطهری و رضا یاری نیا
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1395
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 8506
صفحه از 212
پرینت  ارسال به