97
بلاغة الامام علي بن الحسين علیه السلام

سيّدة نساء العالمين فاطمة البتول ۱ ، ومنّا سبطا هذه الاُمة ، وسيّدا شباب أهل الجنّة ، فمن عرفني فقد عرفني ، ومن لم يعرفني أنبأته بحسبي ونسبي ؛ أنا ابن مكّة ومنى ، أنا ابن زمزم والصفا ، أنا ابن مَن حمل الزكاة ۲ بأطراف الرداء وأعطاها إلى الفقراء والمساكين ، أنا ابن خير من ائتزر وارتدى ، أنا ابن خير من انتعل واحتفى ، أنا ابن خير من طاف وسعى ، أنا ابن خير من حجّ ولبّى ، أنا ابن من حُمل على البُراق ۳ في الهواء ، أنا ابن من أُسري به من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى ، فسبحان من أُسري! أنا ابن من بلغ به جبرائيل إلى سدرة المنتهى ، أنا ابن من دنا فتدلى، فكان من ربّه قاب قوسين أو أدنى ۴ ، أنا ابن مَن صلّى بملائكة السماء ، أنا ابن من أوحى إليه الجليل ما أوحى ، أنا ابن محمّد المصطفى ، أنا ابن عليّ المرتضى ، أنا ابن من ضرب خراطيم الخلق حتّى

1.سُئل الرسول صلى الله عليه و آله : ما البتول؟ فإنا سمعناك تقول : إنّ مريم بتول ، وإنّ فاطمة بتول . فقال : البتول ، الّتي لم ترَ حمرة قطّ ، ولم تحض ، فإنّ الحيض مكروه في بنات الأنبياء . (روضة الواعظين ، الفتال الشهيد رحمه الله )

2.في أكثر النسخ : «حمل الركن بأطراف الرداء» ، وهو الصحيح ، لتكون إشارة إلى ما اشتهر عند المؤرخين من أنّ الكعبة قد تهدّمت بالسيل قبل بعثة النبيّ صلى الله عليه و آله في سنة خمس وثلاثين من عام الهجرة أو غيره ، فاجتمعت القبائل لبنائها ، وعندما أرادوا وضع الحجر في موضعه على الركن ، تنازعوا بينهم فيمن ينصبه ؟ ويكتسب ذاك الشرف العظيم ، وكاد أن يقع بينهم قتال كبير ، لكنهم اتفقوا أخيرا على أن يتحاكموا إلى أوّل مَن يدخل المسجد ذلك الحين ، فدخل محمّد صلى الله عليه و آلهفقالوا : «جاء الأمين» ، فتحاكموا إليه ، فنزع ردائه صلى الله عليه و آله وبسطه على الأرض ، ورفع الحجر فوضعه في الرِّداء ، وأمَر أنْ يأخذ كلّ رئيس قبيلة بطرفٍ من أطراف الرّداء ، ويحمله إلى قرب البيت ، فحملوه فتقدم صلى الله عليه و آله وأخذ الحجر بنفسه ، ونصبه في موضعه من الكعبة ، وبذلك اكتسب صلى الله عليه و آله العظمة لنفسه ، والقى التعب والثقل عن رؤساء القبائل ، وقطع النزاع ، وأخذ الفتنة . ملخص من تاريخ اليعقوبي ، ج ۱ ، ص ۱۱۳ ، ط النجف ، وتاريخ مكّة ، الأرزقي ، ج ۱ ، ص ۱۰۳ .

3.«البُراق» : دابّة نحو البغل ، كان يركبه الرسول الأعظم صلى الله عليه و آلهعند العروج إلى السماء . (مجمع البحرين ؛ الموسوعة العربية الميسرة ، جماعة من كبار المصريّين ، ص ۳۳۷ ، ط مصر ).

4.إشارة إلى الآية في سورة النجم : «ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى * فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى » . قيل : إن المراد من القوسين طرفي القوس ، وقيل : المراد من القوس ما يُقاس به الشيء ، والمقصود مقدار ذراعين ، يقال : «قاس الشيء بقوسه ، إذا قدّره» ، والقاب : هو القدر .


بلاغة الامام علي بن الحسين علیه السلام
96

وأطنب ۱ في تقريظ معاوية بن يزيد عليهما اللعنة .
فصاح به عليّ بن الحسين عليهماالسلام : «ويلك أيّها الخاطب ! أشتريت رضا المخلوق بسخط الخالق؟ فتبوّأ مقعدك من النّار» ، ثُمَّ قال : «يا يزيد ، ائذن لي حتّى أصعد هذه الأعواد ۲ ، فأتكلّم بكلمات فيهنّ للّه رضا ، ولهؤلاء الجلساء أجرٌ وثواب» .
فأبى يزيد . فقال النّاس : يا أمير المؤمنين ، ائذن له ليصعد ، فلعلّنا نسمع منه شيئا . فقال لهم : إن صعد المنبر هذا لم ينزلْ إلاّ بفضيحتي وفضيحة آل أبي سفيان . فقالوا : وما قَدْرُ ما يُحسن هذا؟ فقال له : إنّه من أهل بيت قد زُقّوا ۳ العلم زقّا ، ولم يزالوا به حتّى أذن له بالصعود .
فصعد المنبر ، فحمد اللّه وأثنى عليه ، ثُمَّ خطب خطبة أبكى منها العيون ، وأوجل منها القلوب ، فقال فيها :
أيها الناس ، اُعطينا ستّا ، وفضّلنا بسبع ، اُعطينا العلم والحلم والسماحة ، والفصاحة والشجاعة ، والمحبّة في قلوب المؤمنين ۴ ، وفُضّلنا بأنَّ منّا النبي المختار محمّد صلى الله عليه و آله ، ومنّا الصّديق ، ومنّا الطيّار ، ومنّا أسد اللّه وأسد رسوله ، ومنّا

1.أي أطال .

2.عبّر الإمام عليه السلام بالأعواد ولم يقل بالمنبر ؛ لأنّ المنبر محل شريف ، و مكان رفيع ، لا يجلس عليه إلاّ أولياء اللّه ، وعباده الصالحون ، لا أمثال يزيد ومعاوية ـ لعنهما اللّه ـ ، ومرتزقتهما المنبوذين ، ومن لفّ لفّهما .

3.«زقّ الطير» : وضع الطعام في فمه . وهذا مثل قوله : «غرّ الطائر فرخه ، يغرّه غرارا» ، أي زقّه . وفي حديث معاوية قال : «كان النبيّ صلى الله عليه و آلهيغرّ عليا العلم» ، أي يُلقمه إيّاه . وفي حديث علي عليه السلام : «مَن يُطع اللّه يَغُرّه ، كما يغرّ الغراب بُجَّهُ» : أي فرخه . وفي حديث ابن عمر ، وذكر الحسن والحسين عليه السلام فقال : «إنّما كانا يُغرّان العلم غَرّا» ، و«الغرّ» : اسم ما زقّته به ، وجمعه غرور . (لسان العرب ، ص ۱۸ ، ج ۵ ، ط بيروت) .

4.اشارة إلى هذه الآية : «إِنَّ الَّذِينَ ءَامَنُواْ وَ عَمِلُواْ الصَّــلِحَـتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَـنُ وُدًّا » (سورة مريم ، الآية ۹۶) ، إنّها نزلت في الإمام عليّ بن أبي طالب عليه السلام . قال السجستاني في غريب القرآن ، ص ۲۵۵ ، ط مصر : قال أبو عمرو : قال ابن عباس: نزلت في عليّ بن أبي طالب عليه السلام ـ لمّا سُئل عن هذه الآية ـ وقال: ما من مسلم إلاّ ولعليّ في قلبه محبة .

  • نام منبع :
    بلاغة الامام علي بن الحسين علیه السلام
    سایر پدیدآورندگان :
    گردآوری و تحقیق: جعفر عباس الحائری
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1383
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 2366
صفحه از 336
پرینت  ارسال به