87
بلاغة الامام علي بن الحسين علیه السلام

عجبا لغافل عن صلاحه، مبادرا إلى لذّاته وأفراحه،والموت طريده في مسائه وصباحه ، فيا قليل التحصيل ، ويا كثير التّعطيل ، ويا ذا الأمل الطّويل « أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَـبِ الْفِيلِ » ۱ . بناؤك للخراب،ومالك للذّهاب،وأجلك إلى اقتراب.

وأنت على الدنيا حريص مكاثركأنّك منها بالسّلامة واثق
تحدّثك الأطماع أنّك للبقاءخلقت وإنّ الدهر خِلٌّ موافق
كأنّك لم تُبصر اُناسا ترادفتعليهم بأسباب المنون اللّواحق
هذه حالة من لا يدوم سُرورُه ، ولا تتمّ أُموره ، ولا يفكّ أسيره ، أتفرح بمالك ونفسك ، ووُلدك وعرسك ، وعن قليل تصير إلى رمسك ، وأنت بين طيّ ونشر ، وغنى وفقر ، ووفاءٍ وَغَدْرٍ ، فيا مَن القليل لا يُرضيه ، والكثير لا يغنيه ، اعمل ما شئت إنّك ملاقيه : « يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَ أُمِّهِى وَ أَبِيهِ * وَ صَـحِبَتِهِى وَ بَنِيهِ * لِكُلِّ امْرِىءٍ مِّنْهُمْ يَوْمَـلـءِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ » . ۲
سيقفر بيت كنت فرحة ۳ ، وعودها كاذبة، وسهامها صائبة ، وآمالها خائبة ، لا تقيم على حال ، ولا تمتّع بوصال ، ولا تسرّ بنوال:

وتلك لمن يهوى هواها مليكةتعبّده أفعالها والطرائق
يسرّ بها من ليس يعرف غدرهاويسعى إلى تِطْلابها ويسابق
إذا عدلت جارت على أثر عدلهافمكروهة أفعالها ۴ والخلائق

1.الفيل : ۱ .

2.عبس : ۳۴ ـ ۳۷ .

3.في نسخةٍ : «فرخا» .

4.«الكلوم» : الجرح .

5.في نسخةٍ : «فمكر وهذا فعالها» .


بلاغة الامام علي بن الحسين علیه السلام
86

أين من شقّ الأنهار؟ وغرس الأشجار؟ وعمّر الديّار؟ ألم تمح منهم الآثار؟ وتحلّ بهم دار البوار؟ ۱ فاخشَ الجوار ، فلك اليوم بالقوم اعتبار ، فإنّما الدنيا متاع ، والآخرة دار القرار .

تخرّمهم ۲ ريب المنون فلم تكنلتنفعهم جنّاتهم والحدائق
ولا حملتهم حين ولّوا بجمعهمنجائبهم والصافنات السوابق
وراحوا عن الأموال صفرا وخلّفواذخائرهم ۳ بالرّغم منهم وفارقوا ۴
أين من بنى القصور والدساكر؟ وهزم الجيوش والعساكر؟ وجمع الأموال والذخائر؟ وحاز الآثام والجرائر ۵ ، أين الملوك والفراعنة ؟ والأكاسرة والسياسنة ۶ ؟ أين العمّال والدهاقنة ؟ أين ذوو النواحي والرساتيق ؟ والأعلام والمناجيق ، والعهود والمواثيق .

كأن لم يكونوا أهل عزّ ومنعةولا رفعت أعلامهم والمناجق
ولا سكنوا تلك القصور الّتي بنواولا أخذت منهم بعهد مواثق
وصاروا قبورا دارسات وأصبحتمنازلهم تسفي عليها الخوافق
ما هذه الحيرة والسبيل واضح! والمشير ناصح! والصواب لائح! عقلت فأغفلتَ ، وعرفتَ فأنكرتَ ، وعلمت فأهملتَ ، هو الداء الّذي عزّ دواؤه ، والمرض الّذي لا يُرجى شفاؤه ، والأمل الّذي لا يدرك انتهاؤه ، أفأمنت الأيام ، وطول الأسقام ، ونزول الحِمام ، واللّه يدعو إلى دار السلام !
لقد شقيت نفسٌ تتابع غيُّهاوتصدف ۷ عن إرشادها وتفارق
وتأمل ما لا يستطاع بحمله
وتعصيك أن خالفتها وتشافق

وتصغى إلى قول الغويّ وتنثني
وتعرض عن تصديق مَن هو صادق

فيا عاقلاً راحلاً ، ولبيبا جاهلاً ، ومتيقّظا غافلاً ، أتفرح بنعيم زائل ، وسرور حائل ، ورفيق خاذل ، فيا أيّها المفتون بعمله ، الغافل عن حلول أجله ، والخائض في بحار زلله ، ما هذا التقصير ؟ وقد وخطك القتير ، ووافاك النذير ، وإلى اللّه المصير .

طِلابك أمرا لا يتمّ سرورهوجهدك باستصحاب من لا يوافق
وأنت كمن يبني بناء وغيرهيعاجله في هدمه ويسابق
وينسج آمالاً طوالاً بعيدةوتعلم أنّ الدهر للنّسج خارق
ليست الطريقة لمن ليس له الحقيقة ، ولا يرجع إلى خليقة ، إلى كم تَكْدح ولا تقنع؟ وتجمع ولا تشبع ، وتوفّر لما تجمع ، وهو لغيرك مودع! ماذا الرّأي العازب ۸ ، والرُّشد الغائب ، والأمل الكاذب ، ستُنقل عن القصور وربّات الخدور ، والجذل والسرور ، إلى ضيق القبور ، ومن دار الفناء إلى دار الحَبور « كُلُّ نَفْسٍ ذَآلـءِقَةُ الْمَوْتِ ... وَمَا الْحَيَوةُ الدُّنْيَآ إِلاَّ مَتَـعُ الْغُرُورِ » ۹ .

فعالك هذي غرّة وجهالةوتحسب يا ذا الجهل أنّك حاذق
تظنّ بجهل منكَ إنّك راتق ۱۰ وجهلك بالعقبى لدينك فاتق
توخّيك من هذا أدلّ دلالةوواضح برهانا بأنّك مائق ۱۱

1.«دار البوار» : جهنّم .

2.«تخرّمهم» : انفصهم .

3.في نسخةٍ : «ديارهم» .

4.في نسخةٍ : «فارق» .

5.في نسخة : «الجوائز» .

6.في نسخةٍ : «الغساسنة» .

7.«تصدف» : أي ينصرف و يهمل .

8.«العازب» : الكلاء البعيد المطلب .

9.آل عمران : ۱۸۵ .

10.«راتق» : يُقال : راتق و فاتق ، أي مصلح الأمر .

11.«المائق» : الأحمق الجاهل .

  • نام منبع :
    بلاغة الامام علي بن الحسين علیه السلام
    سایر پدیدآورندگان :
    گردآوری و تحقیق: جعفر عباس الحائری
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1383
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 2400
صفحه از 336
پرینت  ارسال به