بشجن القلوب فيها دما ، ثُمَّ درست تلك المعالم ، فتنكّرت الآثار ، وجعلت في برهة من محن الدنيا ، وتفرّقت ورثة الحكمة، وبقيتُ فردا كقرن الأعضب ۱ وحيدا ، أقول فلا أجد سميعا ، وأتوجّع فلا أجد مشتكى .
وإن أبكهم اجرض ۲ وكيف تجلّدي
وفي القلب منّي لوعة لا أطيقها
وحتّى متى أذكر حلاوة مذاق الدنيا ، وعذوبة مشارب أيّامها ، وأقتفي آثار المريدين ، وأتنسّم أرواح الماضين ۳ مع سبقهم إلى الغلّ والفساد ، وتخلّفي عنهم في فضالة طُرق الدنيا منقطعا من الأخلاّء ، فزادني جليل الخطب لفقدهم جوى ، وخانني الصبر حتّى كأنّني أوّل ممتحن أتذكّر معارف الدنيا وفراق الأحبّة .
فلو رجعت تلك اللّيالي كعهدهارأت أهلها في صورة لا تروقها
فمَن أخصّ بمعاتبتي ، ومَن أرشد بندبتي ، ومَن أبكي ، ومَن أدع ؟ أشجو بهلكة الأموات ! أم بسوء خلف الأحياء ! وكلّ يبعث حزني ، ويستأثر بعبراتي ، ومَن يسعدني فأبكي ، وقد سلبت القلوب لبّها ، ورقّ الدمع ، وحقّ للداء أن يذوب على طول مجانبة الأطباء ، وكيف بهم وقد خالفوا الآمرين ؟ وسبقهم زمان الهادين ، ووكّلوا إلى أنفسهم ، يتنسّكون في الضلالات في دياجير الظلمات .
حيارى وليل القوم داجٍ نجومهاطوامس لا تجري بطيء خفوقها ۴
1.«الأعضب» : الظبي الذي انكسر أحد قرنيه .
2.«أجرض» : أهلك .
3.في نسخة : الصّالحين .
4.الصحيفة السجادية ، دعاء ۲۱۹ ؛ كشف الغمّة ، ج۲ ، ص۳۰۶ ؛ عنه بحار الأنوار ، ج۷۸ ، ص۱۵۴ . قال الإربلي رحمه الله : هذا الفصل من كلامه ، قد نظمه بعض الشعراء ، وأجاد في قوله :
قد كنت أبكي ما قد فات من زمنيوأهل وُدّي جميعٌ غير أشتاتِ
واليوم إذ فرقت بيني وبينهمنوى بكيت على أهل المروّات
وما حياة امرئً أضحت مدامعهمقسومةٍ بين أحياءٍ وأمواتٍ