55
بلاغة الامام علي بن الحسين علیه السلام

قال : إذا كان يوم القيامة بعث اللّه الناس من حُفَرِهم عزلاً مهلاً ۱ ، جردا مردا في صعيد واحد ، يسوقهم النور ، وتجمعهم الظلمة حتّى يقفوا على عقبة المحشر ، فيركب بعضهم بعضا ، ويزدحمون دونها ، فيمنعون من المُضيّ ، فتشتدّ أنفاسهم ، ويكثر عرقهم ، وتضيق بهم أُمورهم ، ويشتدّ ضجيجهم ، وترفع أصواتهم ، وهو أوّل هول من أهوال القيامة .
فعندها يشرف الجبّار تبارك وتعالى من فوق العرش ۲ ، ويقول : يا معشر الخلائق ، انصتوا واسكتوا ، واسمعوا مُنادي الجبّار .
فيسمع آخرهم كما يسمع أوّلهم ، فتنكسر أصواتهم عند ذلك ، فتخشع قلوبهم ، وتضطرب فرائصهم ، وتفزع قلوبهم ويرفعون رؤوسهم إلى ناحية الصوت ، مهطعين إلى الداعي ، ويقول الكافر : هذا يوم عسير .
فيأتي النداء من قبل الجبّار ۳ : أنا اللّه لا إله إلاّ أنا ، الحكم الّذي لا يجور ، أحكم اليوم بينكم بعدلي وقسطي ، لا يُظلم اليوم عندي أحد ، آخذ للضعيف من القويّ بحقه ، ولصاحب المظلمة من القصاص من الحسنات والسيّئات ، واُثيب على الهبات ، ولا يجوز هذه العقبة اليوم عندي ظالم ، ولا أحد عنده مظلمة ، إلاّ مظلمة يهبها لصاحبها ، واُثيبه عليها ، وآخذ له بها عند الحساب ، فتلازموا أيّها الخلائق ، واطلبوا مظالمكم عند من ظلمكم بها في الدنيا ، واُناشدكم عليها ۴ ، وكفى بي شهيدا .
فيتعارفون ويتلازمون فلا يبقى أحدٌ له مظلمة عند أحد أو حقّ إلاّ لزمه ، فيمكثون ما شاء اللّه ، فيشتدّ حالهم ، ويكثر عرقهم ، ويشتدّ غمّهم ، وترتفع أصواتهم بضجيج شديد ، ويتمنّون المخلص منه بترك مظالمهم لأهلها .

1.في الكافي : «بهماً» .

2.في الكافي زيادة : «في ظلال من الملائكة ، فيأمر ملكا من الملائكة ، فينادى فيهم» .

3.في الكافي هكذا : «فيشرف الجبار عز و جل الحكم العدل عليهم ويقول» .

4.في الكافي : «أنا شاهد لكم عليهم» .


بلاغة الامام علي بن الحسين علیه السلام
54

قليلهم بالكثير ، ويا من ضمن لهم إجابة الدعاء ، ويا من وعدهم على نفسه بتفضّله حسن الجزاء ، ما أنا بأعصى من عصاك فغفرت له ، وما أنا بألْوَمِ مَن اعتذر إليكَ فقبلت منه ، وما أنا بِأظلم مَن تاب إليك فَعُدت عليه ، أتوب إليك في مقامي هذا ، توبة نادمٍ على ما فَرَطَ منه مُشفِقٍ ممّا اجتمع عليه ، خالِص الحياء ممّا وقع فيه ، عالم بأنّ العفو عن الذنب العظيم لا يتعاظمُك ، وَإنّ التجاوز عن الإثم الجليل لا يستصعبك ، وإنّ احتمال الجنايات الفاحشة لا يتكأّدك ۱ ، وإنّ أحبّ عبادك إليك مَن ترك الاستكبار عليك ، وجانَبَ الإصرار ، ولزم الاستغفار ، وأنا أبرأ إليك مِن أن أستكبر ، وأعوذ بك مِنْ أن اُصِرَّ ، وأستغفرك لما قَصَّرْتُ فيه ، وأستعين بك على ما عجزت عنه .
اللّهمّ صلِّ على محمّد وآله ، وهب لي ما يجبُ عليَّ لك ، وعافِني ممّا أستوجبه منك ، واجرْني ممّا يخافُهُ أهلُ الإساءة ، فإنّك مليءٌ بالعفو ، مرجوٌ للمغفرة ، معروف بالتجاوز ، ليس لحاجتي مطلب سواك ، ولا لذنبي غافر غيرُك ، حاشاك ولا أخافُ على نفسي إلاّ إيّاك ، إنّك أهل التقوى ، وأهل المغفرة .
صلِّ على محمّد وآل محمّد ، واقضِ حاجتي ، وَانجِح طَلِبتي ، واغفر ذنبي،وآمن خوف نفسي ، إنّك على كلّ شيء قدير ، وذلك عليك يسير ، آمين ربّ العالمين . ۲

(ومن كلام له ۳ عليه السلام)

۰.في تفسير قوله تعالى : « وَ أَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَ وُضِعَ الْكِتَـبُ وَ جِاْىءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَآءِ » ۴ .

1.لايتكأّدك : اى لا يشقّ عليه .

2.الصحيفة السجادية ، ص۹۵ ، دعاء ۱۲ .

3.رواه في الكافي عنه ، عن أبي عبيدة الحذّاء ، عن ثوير بن أبي فاختة ، عن رسول اللّه ، عن علي عليه السلام .

4.الزمر : ۶۹ .

  • نام منبع :
    بلاغة الامام علي بن الحسين علیه السلام
    سایر پدیدآورندگان :
    گردآوری و تحقیق: جعفر عباس الحائری
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1383
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 2364
صفحه از 336
پرینت  ارسال به