29
بلاغة الامام علي بن الحسين علیه السلام

(ومن خطبة له عليه السلام)

(في التحذير عن الدنيا)

۰.حمد اللّه ، وأثنى عليه ، وذكر جدّه فصلّى عليه ثُمَّ قال :
أيّها النّاس أُحذّركم من الدنيا وما فيها ، فإنّها دار زوال وانتقال ، تنتقل بأهلها من حال إلى حال ، وهي قد أفنت القرون الماضية ۱ والأُمم الماضية ، وهم الّذين كانوا أكثر منكم مالاً ، وأطول أعمارا ، وأكثر آثارا ، أفنتهم أيدي الزمان ، وأحتوت عليهم الأفاعي والديدان ، أفنتهم الدنيا فكأنّهم لا كانوا لها أهلاً ولا سكّانا، وقد أكل التراب لحومهم ، وأزال محاسنهم ، وبدّد أوصالهم وشمائلهم، وغيّر ألوانهم ، وطحنتهم أيدي الزمان ، أفتطمعون بعدهم بالبقاء ، هيهات هيهات ، فلابدّ من اللحوق والملتقى ۲ ، فتدركوا ۳ ما مضى من عمركم وما بقى ، وافعلوا فيه ما سوف يعدّ لكم من الأعمال الصالحة ۴ قبل انقضاء الأجل ، وفروغ الأمل ، فعن قريب تؤخذون من القصور إلى القبور ، حزينين غير مسرورين ، فكم واللّه من فاجرٍ قد استكملت عليه الحسرات ، وكم من عزيز وقع في مسالك الهلكات ، حيث لا ينفعه الندم ولا يغاث من ظلم ، وقد وجدوا ما أسلفوا ، واحذروا ما تزوّدوا ، ووجدوا ما عملوا حاضرا ، ولا يظلم ربّك أحدا ، فهم في منازل البلوى همود ۵ ، وفي عسكر الموتى خمود ، ينتظرون صيحة القيامة ، وحلول يوم الطامّة ۶

1.في بعض النسخ : «الخالية» .

2.ليس في بعض النسخ : «من اللحوق» .

3.في بعض النسخ : «فتدبّروا» .

4.في بعض النسخ : «ما فعلوا فيه ، ما سوف يلقى عليكم بالأعمال الصالحة» .

5.«الهمود»: الموت .

6.«الطامة» : الداهية ؛ لأنها تطم كل شيء ، أي تعلوه وتغطيه ، غريب القرآن ، ص ۱۶۱ للسجستانى .


بلاغة الامام علي بن الحسين علیه السلام
28

وايم اللّه ، لقد ضرب لكم فيه الأمثال ، وصرّف الآيات لقوم يعقلون ، فكونوا أيّها المؤمنون من القوم الّذين يعقلون ، ولا قوّة إلاّ باللّه .
فازهدوا فيما زهّدكم اللّه عز و جل فيه من عاجل الحياة الدنيا ، فإنّ اللّه عز و جل يقول وقوله الحقّ : « إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَوةِ الدُّنْيَا كَمَآءٍ أَنزَلْنَـهُ مِنَ السَّمَآءِ فَاخْتَلَطَ بِهِى نَبَاتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَ الْأَنْعَـمُ حَتَّى إِذَآ أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَ ازَّيَّنَتْ وَ ظَنَّ أَهْلُهَآ أَنَّهُمْ قَـدِرُونَ عَلَيْهَآ أَتَـلـهَآ أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَـهَا حَصِيدًا كَأَن لَّمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذَ لِكَ نُفَصِّلُ الْأَيَـتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ » . ۱
فكونوا عباد اللّه من القوم الّذين يتفكّرون ، فلا تركنوا إلى الدنيا ، فإنّ اللّه قد قال لمحمّد نبيه صلى الله عليه و آله ولأصحابه : « وَ لاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَـلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ » ۲ ، ولا تركنوا إلى زهرة الحياة الدنيا وما فيها ركون مَن اتّخذها دار قرار ، ومنزل استيطان ، فإنّها دار بُلغة ، ومنزل قَلعة ۳ ، ودار عمل ، فتزوّدوا فإنّ خير الزاد الأعمال الصالحة منها قبل أن تخرجوا منها ۴ ، وقبل الإذن من اللّه في خرابها ، فكان قد أخربها الّذي عمّرها أوّل مرّة وَابتَدأها ، وهو وليّ ميراثها ، فاسأل اللّه العون لنا ولكم على تزوّد التقوى ، والزهد فيها ، جعلنا اللّه وإيّاكم من الزاهدين في عاجل زهرة الحياة الدنيا ، والراغبين العاملين لأجل ثواب الآخرة ، فإنّما نحن به وله ، وصلّى اللّه على محمّد النبيّ وآله وسلّم ، والسلام عليكم ورحمة اللّه وبركاته . ۵

1.يونس : ۲۴ .

2.هود : ۱۱۳ .

3.«دار بلغة» : أي دار عمل يتبلّغ فيها من صالح الأعمال ويتزود ، و«منزل قلعة» : أي يتحول عنها من دار إلى دار .

4.في بعض النسخ هكذا : «فتزوّدا الأعمال الصالحة فيها قبل تفرّق أيامها» .

5.الكافي ، ج۸ ، ص۷۲ ـ ۷۶ ؛ الأمالي ، الصدوق ، ص۵۹۳ ـ ۵۹۶ ؛ تحف العقول ، ص۲۴۹ ـ ۲۵۲ ؛ رواه المجلسي عن الأمالي في بحار الأنوار ، ج۶ ، ص۲۲۳ .

  • نام منبع :
    بلاغة الامام علي بن الحسين علیه السلام
    سایر پدیدآورندگان :
    گردآوری و تحقیق: جعفر عباس الحائری
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1383
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 2383
صفحه از 336
پرینت  ارسال به