(ومن خطبة له عليه السلام)
(في التحذير عن الدنيا)
۰.حمد اللّه ، وأثنى عليه ، وذكر جدّه فصلّى عليه ثُمَّ قال :
أيّها النّاس أُحذّركم من الدنيا وما فيها ، فإنّها دار زوال وانتقال ، تنتقل بأهلها من حال إلى حال ، وهي قد أفنت القرون الماضية ۱ والأُمم الماضية ، وهم الّذين كانوا أكثر منكم مالاً ، وأطول أعمارا ، وأكثر آثارا ، أفنتهم أيدي الزمان ، وأحتوت عليهم الأفاعي والديدان ، أفنتهم الدنيا فكأنّهم لا كانوا لها أهلاً ولا سكّانا، وقد أكل التراب لحومهم ، وأزال محاسنهم ، وبدّد أوصالهم وشمائلهم، وغيّر ألوانهم ، وطحنتهم أيدي الزمان ، أفتطمعون بعدهم بالبقاء ، هيهات هيهات ، فلابدّ من اللحوق والملتقى ۲ ، فتدركوا ۳ ما مضى من عمركم وما بقى ، وافعلوا فيه ما سوف يعدّ لكم من الأعمال الصالحة ۴ قبل انقضاء الأجل ، وفروغ الأمل ، فعن قريب تؤخذون من القصور إلى القبور ، حزينين غير مسرورين ، فكم واللّه من فاجرٍ قد استكملت عليه الحسرات ، وكم من عزيز وقع في مسالك الهلكات ، حيث لا ينفعه الندم ولا يغاث من ظلم ، وقد وجدوا ما أسلفوا ، واحذروا ما تزوّدوا ، ووجدوا ما عملوا حاضرا ، ولا يظلم ربّك أحدا ، فهم في منازل البلوى همود ۵ ، وفي عسكر الموتى خمود ، ينتظرون صيحة القيامة ، وحلول يوم الطامّة ۶
1.في بعض النسخ : «الخالية» .
2.ليس في بعض النسخ : «من اللحوق» .
3.في بعض النسخ : «فتدبّروا» .
4.في بعض النسخ : «ما فعلوا فيه ، ما سوف يلقى عليكم بالأعمال الصالحة» .
5.«الهمود»: الموت .
6.«الطامة» : الداهية ؛ لأنها تطم كل شيء ، أي تعلوه وتغطيه ، غريب القرآن ، ص ۱۶۱ للسجستانى .