وداروا برأسه في البلدان من فوق عامل ۱ السنان ، وهذه الرزيّة الّتي لا مثلها رزيّة.
أيّها النّاس ، فأيّ رجالات منكم يُسرّون بعد قتله؟ أم أيّ فؤاد لا يحزن من أجله؟ أم أيّة عين منكم تحبِسُ دمعها وتَضِنّ ۲ عن انهمالها؟ فلقد بكت السبع الشداد لقتله! وبكت البحار بأمواجها ، والسماوات بأركانها ، والأرض بأرجائها ، والأشجار بأغصانها ، والحيتان في لجج البحار ، والملائكة المقرّبون ، وأهل السماوات أجمعون . يا أيّها الناس ، أيّ قلب لا ينصدع ۳ لقتله؟ أم أي فؤاد لا يَحِنّ إليه؟ أم أيّ سمع يسمع هذه الثُلمة الّتي ثُلمَت ۴ في الإسلام ولا يَصمّ؟
أيها الناس ، أصبحنا مطرودين مشرّدين مذودين شاسعين ۵ عن الأمصار ، كأنّنا أولاد ترك أو كابل ، من غير جُرم اجترمناه ، ولا مكروه ارتكبناه ، ولا ثُلمة في الإسلام ثلمناها ، ما سمعنا بهذا في آبائنا الأولين ، إنْ هذا إلاّ اختلاق ۶ ، واللّه لو كان النّبي صلى الله عليه و آلهتقدّم إليهم في قتالنا ، كما تقدّم إليهم في الوصاية بنا ، لَمَا ازدادُوا على ما فعلوا بنا ، فإنّا للّه وإنّا إليه راجعون ، من مصيبة ما أعظمها وأوجعها ، وأفجعها وأكظّها ، وأفظعها وأمرّها وأفدحها ، فعند اللّه نحتسب فيما أصابنا ، وما بلغ بنا ، فإنّه عزيز ذو انتقام . ۷
وقد تم ما تيسّر لي جمعه من خطبه وكلامه عليه السلام ، وهو آخر الباب الأول ، فلنشرع في الباب الثاني من كتبه ورسائله إلى أوليائه وأعدائه .
1.في نسخة «عالي» بدل «عامل» .
2.«تضنّ» : تبخل .
3.«انصدع» : انشقّ .
4.«الثُلمة» ـ بالضم ـ : في الحائط ونحوه الخلل ، محل الكسر من المكسور .
5.«مذودين» : مطرودين ، و«شاسعين» : مبعدين .
6.«اختلق الكذب» : افتراه ، مأخوذٌ من هذه الآية في سورة ص : «مَا سَمِعْنَا بِهَـذَا فِى الْمِلَّةِ الْأَخِرَةِ إِنْ هَـذَآ إِلاَّ اخْتِلَـقٌ » .
7.اللهوف على قتلى الطفوف ، ص۲۲۸ ؛ عنه بحار الأنوار ، ج۴۵ ، ص۱۴۶ ؛ نفس المهموم ، ص۴۲۷ ؛ الخصائص الحسينية ، ص ۱۳۲ ، ط قديم .