103
بلاغة الامام علي بن الحسين علیه السلام

حجّ ولبّى ، أنا ابن من اُسري به إلى المسجد الأقصى ، أنا ابن من بلغ به إلى سدرة المنتهى ۱ ، أنا ابن من دنى فتدلّى ، فكان قاب قوسين أو أدنى ، أنا ابن من أوحى إليه الجليل ما أوحى ، أنا ابن الحسين القتيل بكربلاء ، أنا ابن عليّ المرتضى ، أنا ابن محمّد المصطفى صلى الله عليه و آله ، أنا ابن خديجة الكبرى ، أنا ابن فاطمة الزهراء ، أنا ابن سدرة المنتهى ، أنا ابن شجرة طوبى ، أنا ابن المرمّل بالدماء ، أنا ابن من بكى عليه الجنّ في الظلماء ، أنا ابن من ناحت عليه الطيور في الهواء .
فلما بلغ كلامه عليه السلام إلى هذا الموضع ، ضجّ الناس بالبكاء والنحيب ، وخشى يزيد أن تكون فتنة ، فأمر المؤذّن أن يؤذّن للصلاة ، فقام المؤذن وقال : «اللّه أكبر اللّه أكبر» ، فقال الإمام عليه السلام : «نعم ، اللّه أكبر وأعلى وأجلّ ، وأكرم ممّا أخاف وأحذر» . فلمّا قال : «أشهد أن لا إله إلاّ اللّه » ، قال عليه السلام : «نعم ، أشهد مع كل شاهد ، وأحتمل على كل جاحد أن لا إله غيره ، ولا ربّ سواه» . فلمّا قال : «أشهد أنّ محمّدا رسول اللّه صلى الله عليه و آله» ، أخذ عمامته من رأسه وقال للمؤذّن : «أسألك بحقّ محمّد هذا ، أن تسكت ساعة» ، ثُمَّ أقبل على يزيد وقال : «يا يزيد ، هذا الرسول العزيز الكريم ، جدّي أم جدّك؟ فإن قلت : إنّه جدّك ، يعلم العالمون إنّك كاذب ، وإن قلت : إنّه جدّي ، فلم قتلت أبي ظلما ، وانتهبت ماله ، وسبيت عياله» . فقال عليه السلام هذا ، وأهوى إلى ثوبه فشقّه .
ثُمَّ بكى وقال : «واللّه ، لو كان في الدنيا مَن جدّه رسول اللّه فليس غيري ، فلم قتل هذا الرجل أبي ظلما؟! وسبانا كما تُسبى الروم !» . ثُمَّ قال : «يا يزيد ، فعلت هذا ثُمَّ تقول : محمّد رسول اللّه ، وتستقبل القبلة! فويل لك من يوم القيامة حيث كان خصمك جدّي وأبي!». فصاح يزيد بالمؤذّن أن يقيم بالصلاة ، فوقع بين الناس دمدمة وزمزمة عظيمة ، فبعض صلّى ، وبعضهم لم يصلِّ حتّى تفرّقوا . ۲

1.هي مقام في يمين العرش ، ينتهي إليها علوم النّاس ، كما جاءت به النصوص الواردة عن العترة الطاهرة عليهم السلام ، وقيل : ينتهي إليها علم الملائكة .

2.كامل بهائى ، ج۲ ، ص۲۹۹ ، نقل عنه في نفس المهموم ، ص۴۱۰ .


بلاغة الامام علي بن الحسين علیه السلام
102

(ومن خطبة له عليه السلام)

(في الشام ـ نسخة اُخرى)

۰.لمّا أنّه عليه السلام سأل يزيد أن يَخطِبَ يوم الجمعة ، فقال : نعم . فلمّا كان يوم الجمعة ، أمر ملعونا أن يصعد المنبر ، ويذكر ما جاء على لسانه من المساوئ في عليّ والحسين عليهماالسلام ، ويقرّر الثَّناء والشكر على الشيخين .
فصعد الملعون المنبر وقال ما شاء من ذلك .
فقال الإمام عليه السلام : ائذن لي حتّى أخطب أنا أيضا ، فندم يزيد على ما وعده من أن يأذن له ، فلم يأذن له ، فشفّع النّاس فيه ، فلم يقبل شفاعتهم ، ثُمَّ قال معاوية ابنه ـ وهو صغير السنّ ـ : يا أباه ما يبلغ خطبته ، ائذن له حتّى يخطب .
قال يزيد : أنتم في أمر هؤلاء في شكٍ أنّهم ورثوا العلم والفصاحة ، وأخاف أن يحصل من خطبته فتنة علينا وبالها ، ثُمَّ أجازه ، فصعد عليه السلام المنبر وقال :
الحمد للّه الّذي لا بداية له ، والدائم الّذي لا نفاذ له ، والأوّل الّذي لا أوّل لأوّليّته ، والآخر الّذي لا آخر لآخريته ، والباقي بعد فناء الخلق ، قدّر اللّيالي والأيّام ، وقسّم فيما بينهم الأقسام ، فتبارك اللّه الملك العلاّم . (وساق عليه السلامالخطبة إلى أن قال) : إنّ اللّه تعالى أعطانا العلم والحلم ، والشجاعة والسخاوة ، والمحبّة في قلوب المؤمنين ، ومنّا رسول اللّه صلى الله عليه و آله ووصيه ، وسيّد الشهداء ، وجعفر الطيّار في الجنة ، وسبطا هذه الاُمة ، والمهديّ الّذي يقتل الدجال .
أيّها النّاس : مَن عرفني فقد عرفني ، ومن لم يعرفني فأنا أعرفه بحسبي ونسبي ، أنا ابن مكّة ومنى ، أنا ابن زمزم والصفا ، أنا ابن من حمل الركن ۱ بأطراف الرّداء ، أنا ابن خير من ائتزر وارتدى ، أنا ابن خير من طاف وسعى ، أنا ابن خير من

1.سبق في شرح الخطبة السابقة تفسير حمل الركن .

  • نام منبع :
    بلاغة الامام علي بن الحسين علیه السلام
    سایر پدیدآورندگان :
    گردآوری و تحقیق: جعفر عباس الحائری
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1383
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 2349
صفحه از 336
پرینت  ارسال به