حجّ ولبّى ، أنا ابن من اُسري به إلى المسجد الأقصى ، أنا ابن من بلغ به إلى سدرة المنتهى ۱ ، أنا ابن من دنى فتدلّى ، فكان قاب قوسين أو أدنى ، أنا ابن من أوحى إليه الجليل ما أوحى ، أنا ابن الحسين القتيل بكربلاء ، أنا ابن عليّ المرتضى ، أنا ابن محمّد المصطفى صلى الله عليه و آله ، أنا ابن خديجة الكبرى ، أنا ابن فاطمة الزهراء ، أنا ابن سدرة المنتهى ، أنا ابن شجرة طوبى ، أنا ابن المرمّل بالدماء ، أنا ابن من بكى عليه الجنّ في الظلماء ، أنا ابن من ناحت عليه الطيور في الهواء .
فلما بلغ كلامه عليه السلام إلى هذا الموضع ، ضجّ الناس بالبكاء والنحيب ، وخشى يزيد أن تكون فتنة ، فأمر المؤذّن أن يؤذّن للصلاة ، فقام المؤذن وقال : «اللّه أكبر اللّه أكبر» ، فقال الإمام عليه السلام : «نعم ، اللّه أكبر وأعلى وأجلّ ، وأكرم ممّا أخاف وأحذر» . فلمّا قال : «أشهد أن لا إله إلاّ اللّه » ، قال عليه السلام : «نعم ، أشهد مع كل شاهد ، وأحتمل على كل جاحد أن لا إله غيره ، ولا ربّ سواه» . فلمّا قال : «أشهد أنّ محمّدا رسول اللّه صلى الله عليه و آله» ، أخذ عمامته من رأسه وقال للمؤذّن : «أسألك بحقّ محمّد هذا ، أن تسكت ساعة» ، ثُمَّ أقبل على يزيد وقال : «يا يزيد ، هذا الرسول العزيز الكريم ، جدّي أم جدّك؟ فإن قلت : إنّه جدّك ، يعلم العالمون إنّك كاذب ، وإن قلت : إنّه جدّي ، فلم قتلت أبي ظلما ، وانتهبت ماله ، وسبيت عياله» . فقال عليه السلام هذا ، وأهوى إلى ثوبه فشقّه .
ثُمَّ بكى وقال : «واللّه ، لو كان في الدنيا مَن جدّه رسول اللّه فليس غيري ، فلم قتل هذا الرجل أبي ظلما؟! وسبانا كما تُسبى الروم !» . ثُمَّ قال : «يا يزيد ، فعلت هذا ثُمَّ تقول : محمّد رسول اللّه ، وتستقبل القبلة! فويل لك من يوم القيامة حيث كان خصمك جدّي وأبي!». فصاح يزيد بالمؤذّن أن يقيم بالصلاة ، فوقع بين الناس دمدمة وزمزمة عظيمة ، فبعض صلّى ، وبعضهم لم يصلِّ حتّى تفرّقوا . ۲