61
بلاغة الامام علي بن الحسين علیه السلام

وأبنيتكم وقبور موتاكم ، ولكنّه عز و جل جعل فيها من المتانة ما تنتفعون به وتتماسكون ، وتتماسك عليها أبدانكم وبنيانكم ، وجعل فيها ما تنقاد به لدوركم وقبوركم وكثيرا من منافعكم ، وجعل السماء سقفا محفوظا من فوقكم ۱ ، يدير فيها شمسها وقمرها ونجومها لمنافعكم ، وأنزل من السماء ماءً من علا ؛ ليبلغ قلل جبالكم ، وتلالكم ۲ وهضابكم ۳ وأوهادكم ۴ ، ثُمَّ مزّقه رذاذا ووبلاً ۵ ، لا هطلاً ۶ ، فيفسد أرضكم وأشجاركم ، وزرعكم وثماركم ، وأخرج من الأرض رزقا لكم ، فلا تجعلوا مع اللّه أندادا وأشباها ، وأمثالاً وأصناما لا تعقل ، ولاتبصر ولا تسمع ، وأنتم تعلمون أنّها لا تقدر على شيء من هذه النِعم الجليلة ، الّتي أنعم بها عليكم ربّكم تبارك وتعالى . ۷

(ومن كلام له عليه السلام)

(لمحمّد بن مسلم بن شهاب الزُّهْرِيّ يعظه)

۰.لمّا دخل عليه عليه السلام وهو كئيب حزين ، فقال له زين العابدين عليه السلام : ما بالك مغموما؟ قال : يا بن رسول اللّه ، غموم وهموم تتوالى عليَّ لما امتحنتُ به من جهة حُسّاد نعمي ، والطامعين فيَّ ، وممّن أرجوه ، وممّن أحسنت إليه ، فيخلف ظنّي .

1.في العيون هكذا : «فلذلك جعل الأرض فراشا لكم ، ثُمَّ قال عز و جل : « وَالسَّمَآءَ بِنَـآءً » [ البقرة : ۲۲ ] سقفا من فوقكم محفوظا» .

2.«التلال»: جمع تل ، من التراب معروف ، وهو الرابية .

3.«الهضاب» : جمع الهضبة ، الجبل المنبسط على الأرض .

4.«الأوهاد»: جمع الوهد ، الأرض المنخفضة .

5.«الرذاذ»: المطر الضعيف ، و «وبلت السماء»: مطرت الوبل .

6.«الهطل»: المطر أُنزل متتابعا متفرقا ، عظيم القطر .

7.عيون أخبار الرضا عليه السلام ، ج۱ ، ص۱۳۷ ؛ التوحيد ، ص۴۰۴ مع اختلافٍ فيهما. وجاء في تفسير الإمام العسكري نقلاً عن الإمام الحسن بن علي عليهماالسلام .


بلاغة الامام علي بن الحسين علیه السلام
60

اللّهمّ وأيُّما مسلمٍ خَلَّف غازيا أو مُرابطا في داره ، أو تعهّد خالفيه في غيبته ، أو عانه بطائفة من ماله ، أو أمدّه بعِتادٍ ، أو شَحَذَهُ على جهاد ، أو اتْبَعَه في وجهه دعوة ، أو رَعى له من ورائه حُرمَة ، فاجرِ له مثل أجره وزنا بوزن ، ومِثلاً بمثل ، وعوّضهُ من فعله عِوَضا حاضرا ، يتعجّل به نفع ما قدّم ، وسُرور ما أتى به إلى أن ينتهي به الوقت إلى ما أجريت له من فضلك ، وأعددت له من كرامتك .
اللّهمّ وأيُّما مسلم أهمّه أمرُ الإسلام ، وأحْزَنه تحزُّبُ أهلِ الشرك عليهم ، فنوى غزوا أو هَمَّ بجهادٍ فقعد به ضَعْفٌ ، أو أبطأتْ به فاقة ، أو أخّرهُ عنه حادثٌ ، أو عرض له دون إرادته مانع ، فاكتب اسمه في العابدين ، وأوجب له ثواب المجاهدين ، واجعله في نظام الشهداء والصالحين .
اللّهمّ صلّ على محمّد عبدك ورسولك وآل محمّد ، صلاة عالِيَةً على الصَّلوات ، مُشرّفةً فوق التحيّات ، صلاة لا ينتهي أمدُها ، ولا ينقطع عددُها ، كأتمِّ ما مضى من صلواتك على أحد من أوليائك ، إنّك المنَّانُ الحميد ، المُبدئ المُعيد ، الفعّال لما تُريد . ۱

(ومن كلام له عليه السلام)

(في تفسير قوله تعالى : « الَّذِى جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَ شًا وَالسَّمَآءَ بِنَـآءً » ۲ )

۰.كان يقول : معنى هذه الآية إنّه سبحانه جعل الأرض ملائمةً لطبائعكم ، موافقةً لأجسادكم ، ولم يجعلها شديدة الحماء و الحرارة فتحرقكم ، ولا شديدة البرودة فتجمّدكم ، ولا شديدة طيب الريح فتصدع هاماتكم ۳ ، ولا شديدة النتن فتعطّبكم ، ولا شديدة اللين كالماء فتغرقكم ، ولا شديدة الصلابة فتمتنع عليكم في دوركم

1.الصحيفة السجادية ، دعاء ۲۷.

2.البقرة : ۲۲ .

3.في نسخةٍ : «فتصدعكم» .

  • نام منبع :
    بلاغة الامام علي بن الحسين علیه السلام
    سایر پدیدآورندگان :
    گردآوری و تحقیق: جعفر عباس الحائری
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1383
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 2451
صفحه از 336
پرینت  ارسال به